تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (12)

فقضاهن : خلقهن .

أمرها : شأنها .

بمصابيح : بكواكب ونجوم كما نراها .

وحفظا : حفظناها حفظا من الآفات

والمراد هنا من هذا التعبير تصويرُ قدرته تعالى فيهما وامتثالهما بالطاعة لأمره . فخلقَهن سبع سموات في يومين من أيامه ، وأوحى في كل سماءٍ أمرها وما أُعدّت له واقتضته حكمته ، وزين السماء الدنيا التي نراها بالنجوم المنيرة كالمصابيح في أقرب المجرّات إلينا التي نعيش على أطرافها ، وهي المعروفة بدرْب التبّانة ، والتي يقدَّر قطرها بنحو مئة ألف مليون سنة ضوئية . وجعل لهذه الأرض غلافاً جوياً يحفظها من كل سوء .

{ ذَلِكَ تَقْدِيرُ العزيز العليم } الذي يمسك هذا الكون ، ويدبر الوجود كله بقدرته وحكمته .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (12)

{ فقضاهن سبع سموات } أي : صنعهن والضمير للسموات السبع وانتصابها على التمييز تفسيرا للضمير وأعاد عليها ضمير الجماعة المؤنثة لأنها لا تعقل فهو كقولك : الجذوع انكسرت وجمعهما جمع المفكر العاقل في قوله : { طائعين } لأنه وصفهما بالطوع وهو فعل العقلاء فعاملهما معاملتهم فهو كقولك : { رأيتهم لي ساجدين } [ يوسف : 4 ] ، وأعاد ضمير التثنية في قوله : { قالتا أتينا } لأنه جعل الأرض فرقة والسماء أخرى .

{ وأوحى في كل سماء أمرها } أي : أوحى إلى سكانها من الملائكة وإليها نفسها ما شاء من الأمور التي بها قوامها وصلاحها وأضاف الأمر إليها لأنه فيها .

{ وزينا السماء الدنيا بمصابيح } يعني : الشمس والقمر والنجوم وهي زينة للسماء الدنيا سواء كانت فيها أو فيما فوقها من السموات .

{ وحفظا } تقديره وحفظناها حفظا ويجوز أن يكون مفعولا من أجله على المعنى كأنه قال : وخلقنا المصابيح زينة وحفظا .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (12)

{ فقضاهن } أي خلقهن وصنعهن حال كونهن معدودات { سبع سماوات } صنعاً نافذاً هو كالقضاء لا تخلف فيه { في يومين } أي الخميس والجمعة إذا حسب مقدار ما يخصهن من التكوين في الستة الأيام التي كان فيها جميع الخافقين ، وما بينهما كان بمقدار ما خص واحداً من الأرض ومن أقواتها لا يزيد على مدة منهما ولا ينقص ، فيكون الذي خصهما ثلث المجموع ، قال ابن جرير : وإنما سمي يوم الجمعة لأن الله تعالى جمع فيه خلق السماوات والأرض . يعني فرغ من ذلك وأتمه { وأوحى } أي ألقى بطريق خفي وحكم مبتوت قوي { في كل سماء أمرها } أي الأمر الذي دبرها ودبر منافعها به على نظام محكم لا يختل ، وزمام مبرم لا ينحل .

ولما عم ، خص ما للتي تلينا إشارة إلى تشريفنا ، فقال صارفاً القول إلى مظهر العظمة تنبيهاً على ما في هذه الآية من العظم : { وزينّا } أي بما لنا من العظمة { السماء الدنيا } أي القربى إليكم لأجلكم { بمصابيح } من زواهر النجوم ، وشفوفها عنها لا ينافي أن تكون في غيرها مما هو أعلى منها ، ودل السياق على أن المراد : زينة { و } حفظناها بها { حفظاً } من الشياطين ، فالآية من الاحتباك : حذف فعل الحفظ بدلالة المصدر ، ومصدر الزينة بما دل عليه من فعلها .

ولما كان هذا أمراً باهراً ، نبه على عظمته بقوله صارفاً الخطاب إلى صفتي العز والعلم إعلاماً بأنهما أساس العظمة ومدارها : { ذلك } أي الأمر الرفيع والشأن البديع { تقدير العزيز } الذي لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء { العليم * } المحيط علماً بكل شيء وكما قدر سبحانه ذلك بعزته وعلمه قضى أنه لا يفيد العز الدائم إلا ما شرعه من العلم ، وفي ختمه بالوصفين بشارة للأمة التي خوطبت بهما أنه يوتيها من عزه وعلمه لا سيما بالهبة وما شاكلها من الطبائع وغيرها ما لم يؤت أمة من الأمم قبلها ، وسر خلقه سبحانه العالم في مدة ولم يكن قي لمحة وجعلها ستة لا أقل ولا أكثر أنه لو خلقه في لمحة لكان ذلك شبهة لمن يقول : إنه فاعل بالذات لا بالاختيار ، فاقتضى الحال عدداً ، ثم اقتضى الحال أن يكون ستة لأنها أول عدد يدل على الكمال لأنها عدد تام كسورها لا تزيد عنها ولا تنقص ، فآذن ذلك بأن للفاعل نعوت الكمال وأوصاف التمام والتعال ، ولم يخلقه فيما دون ذلك من العدد لأنه ناقص ، وخلق الأرض في يومين لأن الاثنين عدد يدل على الفردانية فهو قائد للعبيد إلى التوحد ، وجعل اليومين مكررين باعتبار الذات والمنافع إيذاناً بما يقع فيها من المعصية بالشرك الذي هو تثنية وإفك ، ولم يكرر في السماء لأن آياتها أدل على التوحيد ولم يحصل من أهلها ما يدل على الوعيد ، وليكون إيجادها في أقل من مدة الأرض - مع أنها أكبر جرماً وأعجب صنعاً وأتقن جسماً - أدل على الفعل بالاختيار بعجائب الحكم وغرائب الأسرار الكبار .