تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا} (7)

ومن قُدر عليه رزقُه : ومن كان رزقه قليلا ، يعني فقير الحال .

فلْيُنفِقْ مما آتاه الله : ينفق بقدر ما عنده .

ثم بين الله تعالى مقدار الإنفاق وكيفيته بحسب طاقة كل أب فقال :

{ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ الله } .

هذا هو مبدأ الإسلام العظيم : اليسر والتعاون والعدل . . على كل إنسان أن ينفق بقدر طاقته وحسب مقدرته ، فمن وسّع الله عليه الرزق فلينفقْ عن سعة في السكن والنفقة وأجر الرضاع ، ومن كان رزقه ضيقا فلا حرج عليه ، فلينفق بقدر ما يستطيع .

هذه هي القاعدة الذهبية في المجتمع الإسلامي العظيم . وكما جاء في قوله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [ البقرة : 286 ] آخر سورة البقرة .

ثم جاء في تعبير لطيف بين فيه أن الأرزاق تتحول من عسر إلى يسر ، وأن اليسر دائماً مأمول فلا تخافوا ولا تضيِّقوا على أنفسكم فقال :

{ سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } .

إن الله تعالى سيجعل من بعد الشدة رخاء ، ومن بعد الضيق فرجا ، فكونوا دائما مؤملين للخير ، فالدنيا لا تدوم على حال . { فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً } [ الشرح : 5-6 ] ولن يغلب عسر يسرَين . وإنها لبشارة للناس ، ولمسة فرج ، وإفساح رجاء للمطلِّق والمطلقة وللناس جميعا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا} (7)

{ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ } أي : لينفق الغني من غناه ، فلا ينفق نفقة الفقراء .

{ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } أي : ضيق عليه { فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ } من الرزق .

{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا } وهذا مناسب للحكمة والرحمة الإلهية حيث جعل كلا بحسبه ، وخفف عن المعسر ، وأنه لا يكلفه إلا ما آتاه ، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها ، في باب النفقة وغيرها . { سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا } وهذه بشارة للمعسرين ، أن الله تعالى سيزيل عنهم الشدة ، ويرفع عنهم المشقة ، { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا }

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا} (7)

{ لينفق ذو سعة من سعته } أمر بأن ينفق كل واحد على مقدار حاله ولا يكلف الزوج ما لا يطيق ولا تضيع الزوجة بل يكون الحال معتدلا وفي الآية دليل على أن النفقة تختلف باختلاف أحوال الناس وهو مذهب مالك خلافا لأبي حنيفة فإنه اعتبر الكفاية ومن عجز عن نفقة امرأته فمذهب مالك والشافعي أنها تطلق عليها خلافا لأبي حنيفة وإن عجز عن الكسوة دون النفقة ففي التطليق عليه قولان في المذهب .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا} (7)

ولما كانت المعاسرة في الغالب في ترك السماح ، وكان ترك السماح من خوف الإعدام ، نبه سبحانه على أن ذلك{[66122]} ليس بعذر بتقسيم الناس إلى موسع عليه وغيره ، ولأن الأليق بالموسع عليه أن يوسع ولا يسيء الظن بربه وقد جرب رفده ، وأن المقتر عليه لا ينبغي أن يفعل فعل من يخاف أن يخلف وعده ، فقال شارحاً للمياسرة : { لينفق ذو سعة } أي مال واسع ولم يكلفه سبحانه جميع وسعه بل قال : { من سعته } التي أوسعها الله عليه . ولما كان الإعطاء من غير تقدير ملزوماً للسعة ، كان التقدير كناية عن الضيق فقال : { ومن قدر } أي ضيق وسكنت عليه حركته ورقدت عنه معيشته { عليه رزقه } بأن جعله الله الذي لا يقدر على التضييق والتوسيع غيره بقدر ضرورياته فقط من غير وسع لشيء غيرها لأمر من الأمور التي يظهر الله بها عجز العباد رحمة لهم ليهذب به نفوسهم ، وبناه للمفعول تعليماً للأدب معه{[66123]} سبحانه وتعالى : { فلينفق } أي وجوباً على المرضع وغيرها من كل ما أوجبه الله عليه أو ندبه إليه ، وبشر سبحانه وتعالى بأنه لا يخلي أحداً من شيء يقوم به ما دام حياً بقوله مشيراً بالتبعيض إلى أن ما أوجبه سبحانه لا يستغرق ما وهبه : { مما آتاه الله } أي الملك الذي لا ينفذ ما عنده ولا حد لجوده ، ولو من رأس المال ومتاع البيت ومن ثمن الضيعة إن لم يكن له من الغلة لأنه سبحانه قد ضمن الإخلاف ، ومن ملك ما يكفيه للوقت ثم اهتم للزيادة للغد فذلك اهتمام غير مرحوم ، وصاحبه{[66124]} غير معان ، وفي هذا إرشاد{[66125]} إلى الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في عدم التكلف واليسر في كل{[66126]} أمر على حسب الأوقات .

ولما كان تعالى له التكليف بما لا{[66127]} يطاق ، أخبر بأنه رحم العباد بأنه لا يفعله ، فقال معللاً أو مستأنفاً جواباً لمن يقول : فما{[66128]} يفعل من لم يكن له موجود أصلاً ، محبباً في دينه صلى الله عليه وسلم مما فيه من اليسر : { لا يكلف الله } أي الذي له الكمال{[66129]} بأوصاف الرحمة والإنعام علينا بالتخفيف{[66130]} { نفساً } أي نفس كانت { إلا ما آتاها } وربما أفهم ، أن من كلف إنفاقاً وجد من فضل ما عنده ما يسده من الأثاث الفاضل عن سد جوعته وستر عورته .

ولما كان التذكير بالإعدام ربما أوجع ، قال تعالى جابراً له وتطبيباً لقلبه نادباً إلى الإيمان بالغيب : { سيجعل الله } أي الملك الذي له الكمال كله فلا خلف لوعده ، ونزع الجار زيادة في الخبر فقال : { بعد عسر } أي من الأمور التي تعسرت لا أنه يجعل{[66131]} ذلك بعد كل عسر { يسراً * } أي لا بد{[66132]} من ذلك ولا يوجد أحد{[66133]} يستمر التقتير عليه طول عمره في جميع أحواله ، قال القشيري : وانتظار اليسر من الله صفة المتوسطين في الأحوال الذين انحطوا عن درجة الرضى واستواء وجود السبب وفقده وارتقوا عن حد اليأس والقنوط ويعيشون في أفناء الرجاء ويتعللون بحسن المواعيد - انتهى . ولقد صدق الله وعده{[66134]} فيمن{[66135]} كانوا موجودين حين نزول الآية ، ففتح عليهم جميع جزيرة العرب ثم فارس والروم وانتثلوا كنوزها حتى صاروا أغنى الناس ، وصدق الآية دائم غير أنه كان في{[66136]} الصحابة رضي الله تعالى عنهم أبين لأن إيمانهم أتم .


[66122]:- من م، وفي الأصل وظ: هذا.
[66123]:- من ظ وم، وفي الأصل: مع.
[66124]:- من ظ وم، وفي الأصل: صاحت.
[66125]:- من ظ وم، وفي الأصل: أشار.
[66126]:- زيد من ظ وم.
[66127]:- زيد من ظ وم.
[66128]:- زيد من ظ وم.
[66129]:- في ظ وم: كله.
[66130]:- في ظ وم: كله.
[66131]:- من ظ وم، وفي الأصل: يفعل.
[66132]:- من ظ وم، وفي الأصل: لا يزيد.
[66133]:- زيد من ظ وم.
[66134]:- زيد من ظ وم.
[66135]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيما.
[66136]:-من ظ وم: وفي الأصل: من.