السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا} (7)

{ لينفق ذو سعة } أي : مال واسع ولم يكلفه تعالى جميع وسعه بل قال تعالى : { من سعته } أي : لينفق الزوج على زوجته وولده الصغير على قدر وسعه إذا كان موسعاً عليه { ومن قدر } أي : ضيق { عليه رزقه } فعلى قدر ذلك فيقدر النفقة بحسب حال المنفق ، والحاجة من المنفق عليه بالاجتهاد على مجرى العادة . قال تعالى : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } [ البقرة : 233 ] وقال صلى الله عليه وسلم لهند : «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف » لكن نفقة الزوجة مقدرة عند الشافعي محدودة فلا اجتهاد للحاكم ولا للمفتي فيها ، وتقديرها هو بحسب حال الزوج وحده من يسار وإعسار ، ولا اعتبار بحالها فيجب لابنة الخليفة ما يجب لابنة الحارس ، فيلزم الزوج الموسر مدان ، والمتوسط مد ونصف ، والمعسر مد لظاهر قوله تعالى : { لينفق ذو سعة من سعته } فجعل الاعتبار بالزوج في اليسر والعسر ، ولأن الاعتبار بحالها يؤدي إلى الخصومة لأن الزوج يدعي أنها تطلب فوق كفايتها وهي تزعم أنها تطلب قدر كفايتها فقدرت قطعاً للخصومة .

وقوله تعالى : { فلينفق } أي : وجوباً على المرضع وغيرها من كل ما أوجبه الله تعالى عليه . { مما آتاه الله } أي : الملك الذي لا ينفد ما عنده ، ولو من رأس المال ومتاع البيت { لا يكلف الله } أي : الذي له الملك كله { نفساً } أيّ نفس كانت . { إلا ما آتاها } أي : أعطاها من المال { سيجعل الله } أي : الملك الذي له الكمال كله فلا خلف لوعده .

{ بعد عسر } أي : بعد كل عسر { يسراً } وقد صدق الله وعده فيمن كانوا موجودين بعد نزول الآية ففتح عليهم جميع جزيرة العرب ، ثم فارس والروم حتى صاروا أغنى الناس وصدق الآية دائم غير أنه في الصحابة رضي الله تعالى عنهم ونفعنا بهم آمين لأن إيمانهم أتم . قال القشيري : وانتظار اليسر من الله صفة المتوسطين في الأحوال الذين انحطوا عن درجة الرضا ، وارتقوا عن حد اليأس والقنوط ، ويعيشون في إفناء الرجال ، ويتعللون بحسن المواعيد ا . ه .