فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا} (7)

{ لينفق ذو سعة من سعته } فيه الأمر الأهل السعة بأن يوسعوا على المرضعات من نسائهم على قدر سعتهم { ومن قدر عليه رزقه } أي كان رزقه بمقدار القوت أو مضيق ليس بموسع { فلينفق مما آتاه الله } أي مما أعطاه من الرزق ليس عليه غير ذلك ، وفي الخطيب يقدر القاضي النفقة بحسب حال المنفق والحاجة من المنفق عليه بالاجتهاد على مجرى العادة ، قال تعالى : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } ، ولكن نفقة الزوجة مقدرة عند الشافعي محدودة ، فلا اجتهاد للحاكم ولا للمفتي فيها ، وتقديرها هو بحسب حال الزوج وحده من عسره ويسره ، ولا اعتبار بحالها ، فيجب لابنة الخليفة ما يجب لابنة الحارث ، فيلزم الزوج الموسر مدان والمتوسط مد ونصف ، والمعسر مد لظاهر قوله تعالى : { لينفق ذو سعة من سعته } فجعل الاعتبار بالزوج في العسر واليسر ، ولأن الاعتبار بحالها يؤدي إلى الخصومة لأن الزوج يدعي أنها تطلب فوق كفايتها ، وهي تزعم أنها تطلب قدر كفايتها فقدرت قطعا للخصومة انتهى .

والتقدير المذكور مسلم في نفقة الزوجة ونفقة المطلقة ، إذا كانت رجعية مطلقا أو بائنا حاملا ، بخلاف المرضعة ، قاله سليمان الجمل . عن أبي سنان قال : سأل عمر بن الخطاب عن أبي عبيدة فقيل : إنه يلبس الغليظ من الثياب ، ويأكل أخشن الطعام ، فبعث إليه بألف دينار وقال للرسول : انظر ماذا يصنع بها إذا أخذها ، فما لبث أن لبس ألين الثياب وأكل أطيب الطعام ، فجاء الرسول فأخبره فقال : رحمه الله تأول هذا الآية { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله } .

{ لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها } أي ما أعطاها من الرزق ، فلا يكلف الفقير بأن ينفق ما ليس في وسعه ، بل عليه ما يقدر عليه ، وتبلغ إليه طاقته مما أعطاه الله من الرزق { سيجعل الله بعد عسر يسرا } أي بعد ضيق وشدة سعة وغنى ، وهذا وعد لذي العسر باليسر ، وقد صدق الله وعده فيمن كانوا موجودين عند نزول الآية ، ففتح عليهم جزيرة جزيرة العرب ، ثم فارس والروم ، حتى صاروا أغنى الناس ، وصدق الآية دائم غير أنه في الصحابة أتم لأن إيمانهم أقوى من غيرهم .