سلفاً : قدوة لمن بعدهم من الكفار . ومثلا : عبرة وموعظة .
وجعلناهم قُدوةً لمن يعمل عملَهم من أهل الضلال ، وعبرةً وموعظة لمن يأتي بعدهم من الكافرين .
وفي قصة موسى هنا تسليةٌ للرسول الكريم بها لأن قومه عيّروه بالفقر ، وقد سبق لموسى أن عيره فرعونُ بالفقر والضعف .
قرأ حمزة والكسائي وخلف : فجعلناهم سُلُفا بضم السين واللام . والباقون : سلفا ، بالإفراد .
قوله تعالى : " فجعلناهم سلفا " أي جعلنا قوم فرعون سلفا . قال أبو مِجْلَز : " سلفا " لمن عمل عملهم ، و " مثلا " لمن يعمل عملهم . وقال مجاهد : " سلفا " إخبارا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، " ومثلا " أي عبرة لهم . وعنه أيضا " سلفا " لكفار قومك يتقدمونهم إلى النار . قتادة : " سلفا " إلى النار ، " ومثلا " عظة لمن يأتي بعدهم . والسلف المتقدم ، يقال : سلف يسلف سلفا ، مثل طلب طلبا ، أي تقدم ومضى . وسلف له عمل صالح أي تقدم . والقوم السلاف المتقدمون . وسلف الرجل : آباؤه المتقدمون ، والجمع أسلاف وسلاف . وقراءة العامة " سلفا " ( بفتح السين واللام ) جمع سالف ، كخادم وخدم ، وراصد ورصد ، وحارس وحرس . وقرأ حمزة والكسائي " سلفا " ( بضم السين واللام ) . قال الفراء هو جمع سليف ، نحو سرير وسرر . وقال أبو حاتم : هو جمع سلف ، نحو خشب وخشب ، وثمر وثمر ، ومعناهما واحد . وقرأ علي وابن مسعود وعلقمة وأبو وائل والنخعي وحميد بن قيس " سلفا " ( بضم السين وفتح اللام ) جمع سلفة ، أي فرقة متقدمة . قال المؤرج والنضر بن شميل : " سلفا " جمع سلفة ، نحو غرفة وغرف ، وطرفة وطرف ، وظلمة وظلم .
ولما كان إهلاكهم بسبب إغضابهم لله وبالكبر على رسله ، كانوا سبباً لأن يتعظ بحالهم من يأتي بعدهم فلذلك قال تعالى : { فجعلناهم } أي بأخذنا لهم على هذه الصورة من الإغراق وغيره مما تقدمه { سلفاً } متقدماً لكل من يهلك بعدهم إهلاك غضب في الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة وقدوة لمن يريد العلو في الأرض فتكون عاقبته في الهلاك في الدارين أو إحداهما عاقبتهم كما قال سبحانه عز من قائل وتبارك وتعالى{ وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار }[ القصص : 41 ] : { ومثلاً } أي حديثاً عجيباً سائراً مسير المثل { للآخرين } الذين خلفوا بعدهم من زمنهم إلى آخر الدهر فيكون حالهم عظة لناس وإضلالاً لآخرين ، فمن قضى أن يكون على مثل حالهم عمل مثل أعمالهم ، ومن أراد النجاة مما نالهم تجنب أفعالهم ، فمن أريد به الخير وفق لمثل خير يرده عن غيه ، ومن أريد به الشرافتدى بهم في الشر ، وجعل له منهم مثلاً يجترئ به على شره ، ويقوى على خبثه ومكره ، فيجعل الشرير ما أوتوه من الدنيا من النعمة والحبرة والرفاهية والنصرة مثلاً له في التوصل إليه مما كانوا عليه من الظلم ، ويجعل الخير إهلاكهم مثلاً له فيبعد عن أفعالهم لينجو من مثل نكالهم ، يقول أحدهم : أخذ الفلانيون أخذ آل فرعون ، أي لم يفلت منهم إنسان ونحو ذلك من أمثالهم في جميع أحوالهم ، ونقول نحن : إنا نهلك من ظلم وتمادى في ظلمه بعد تحذيرنا له وغشم وإن عظم آله وأتباعه ، وظن عزه وامتناعه ، كدأب آل فرعون ، ويقول من أريد به الشر : ليس على ظهرها أحد يبقى إن خاف العواقب فأحجم عن شهواته وانهمك في رياض أهويته وإرادته وشهي طيباته وكذا ذاته كما وقع لفرعون فإنه لم يرجع لشيء عن رئاسته ، وبلوغ النهاية من صلفه ونفاسته إلى أن ذهب به كما ذهب بغيره سواء سار بسيره أو بغير سيره ، ولقد ضل به قوم وأضلوا ، وحلوا لمن داناهم عرى الدين فزلوا ، وما كفاهم ذلك حتى ادعوا أنه من أعز المقربين لأن الذي كان آخر كلامه الإيمان ، فجب ما كانا قبله ولم يتدنس بعده فمات طاهراً مطهراً ليس فيه شيء من الدنس مع أن ذلك ما كان إلا عند اليأس حيث لا نفع فيه ، وغروا الضعفاء بأن قالوا : إنه لا صريح في القرآن بعذابه بعد الموت تعمية عن الدليل القطعي المنتظم من قوله تعالى
{ وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين }[ يونس : 83 ] { وإن المسرفين هم أصحاب النار }[ غافر : 43 ] المنتج من غير شك أن فرعون من أصحاب النار ، وقوله تعالى{ فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كانت عاقبة الظالمين }[ القصص : 40 ] { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون }وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين }وقوله تعالى
{ كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد }إلى أن قال{ إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب }[ ص : 14 ] إلى غير ذلك من محكم الآيات وصريح الدلالات البينات ، وكذا غير فرعون وقومه من الصالحين والطالحين جعلهم سبحانه سلفاً ومثلاً للآخرين ، فمن أراد به خيراً يسر له مثل خير احتذى به ، ومن أراد به شراً أضله بمثل سوء اقتدى به
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.