اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَجَعَلۡنَٰهُمۡ سَلَفٗا وَمَثَلٗا لِّلۡأٓخِرِينَ} (56)

قوله : «فجعلناهم سلفاً » قرأ الأخوان سُلُفاً بضمتين{[49973]} ، والباقون بفتحتين ، فأما الأولى فتحتمل ثلاثة أوجه :

أحدهما : أنه جمع سَليفٍ ، كرَغِيفٍ ، ورُغُفٍ ، وسمع القاسم{[49974]} بن معن من العرب معنى سَليف من الناس والسيلفُ من الناس كالغَرِيقِ منهم{[49975]} .

والثاني : أنها جمع ساَلِف ، كَصَابرٍ ، وصُبُرٍ{[49976]} .

الثالث : أنها جمع سَلَفٍ كَأَسَدٍ وأُسُدٍ{[49977]} .

والثانية تحتمل وجهين :

أحدهما : أن تكون جمعاً لسَالفٍ ، كحَارِسٍ وحَرَسٍ ، وخَادِمٍ وخَدَمٍ ، وهذا في الحقيقة اسم جمع لا جمع تكسير ، إذ ليس في أبنية التكسير صيغة فَعَلٍ .

والثاني : أنه مصدر يطلق على الجماعة ، تقول : سَلُفُ الرَّجُلُ يَسْلُفُ سَلَفاً أي تقدم ، والسلف : كُلُّ شَيْءٍ قَدَّمْتَهُ من عمل صالحٍ ، أو قرضٍ فهو سَلَفٌ ، وسَلَفُ الرَّجُلِ آبَاؤُهُ المتقدمون ، والجمع أَسْلاَفٌ وسُلاَّفٌ{[49978]} قال طفيل :

4414 مَضَوْا سَلَفاً قَصَدَ السَّبِيلُ عَلَيْهِم *** صُرُوفُ المَنَايَا بِالرِّجَالِ تَقَلَّبُ{[49979]}

وقرأ عليٌّ مُجَاهِدٌ رضي الله عنهما{[49980]} سُلَفاً{[49981]} بضم السين . وفيه وجهان :

أشهرهما : أنه جمع سُلْفَةٍ كغُرْفَةٍ وغُرَفٍ{[49982]} . والسُّلْفَة الأُمَّةُ .

وقيل : الأصل سُلُفاً بضمتين ، وإنَّما أبدل من الضمة فتحة{[49983]} .

وقوله : «مَثَلاً » إما مفعول ثان إن كانت بمعنى صير ، وإلاَّ حالاً{[49984]} . قال الفراءُ{[49985]} والزجاجُ{[49986]} : جعلناهم متفرقين ليتعظ بهم الآخرون ، وهم كفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى ومثلاً للآخرِينَ أي عِظة لمن بقي بعدهم وعبرة .

قال أبو علي الفارسي : المَثَلُ واحد يراد به الجمع ، ومن ثم عطف على سلف والدليل على وقوعه ( على ) أكثر من واحد قوله تعالى : { ضَرَبَ الله مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ على شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً } [ النحل : 75 ] . فأدخل تحت المَثَل شَيْئَيْن{[49987]} وقيل : المعنى سلفاً لكفار هذه الأمة إلى النار ، ومثلاً لمن يجيء بعدهم .


[49973]:هي قراءة متواترة انظر السبعة 587 ومعاني الفراء 2/36.
[49974]:هو القاسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الصحابي أبو الإمام أبي عبد الله المسعودي الهذلي كان من علماء الكوفة باللغة العربية والفقه والحديث والشعر والأخبار حدث عن عاصم الأحول وعنه أبو نعيم مات سنة 175 أو 176 هـ. انظر بغية الوعاة 2/263.
[49975]:نقله الفراء في معانيه 3/36.
[49976]:ذكره صاحب التبيان 1141.
[49977]:انظر الدر المصون 4/794.
[49978]:وانظر كل هذا في الدر المصون لفظا 4/794، والبحر معنى 8/23، وانظر اللغة في اللسان (سلف) 2068.
[49979]:من الطويل في رثاء من تقدم من قومه وهو لطفيل الغنوي وشاهده: أن السلف هم الآباء المتقدمون عليه، ويجمع على ما أوضح أعلى على أفعال وفعال وانظر ديوان طفيل 40 والبحر المحيط 8/23 والدر المصون 4/794 ولسان العرب سلف (2069).
[49980]:في ب وقرأ علي رضي الله عنه ومجاهد.
[49981]:ذكرها الزجاج في معانيه 4/316 وابن خالويه في المختصر 135.
[49982]:ذكره الزجاج في المرجع السابق وأبو البقاء في التبيان 1141.
[49983]:للتخفيف انظر هذين الوجهين كليهما في المرجع السابق والدر المصون 4/795.
[49984]:المرجعين السابقين.
[49985]:قال الفراء كأن واحدته سلفة من الناس أي قطعة من الناس مثل أمة فهو قد فسر السلف بضم السين واللام انظر معاني الفراء 3/36.
[49986]:فسرها بفتح اللام والسين قال: جعلناهم سلفا متقدمين ليتعظ بهم الآخرون معاني الزجاج 4/416.
[49987]:انظر في هذا الرازي 27/220.