السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَجَعَلۡنَٰهُمۡ سَلَفٗا وَمَثَلٗا لِّلۡأٓخِرِينَ} (56)

{ فجعلناهم } أي : بأخذنا لهم على هذه الصورة من الإغراق وغيره مما تقدمه { سلفاً } أي : متقدماً لكل من يهلك بعدهم إهلاك غضب في الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة أو قدوة لمن يريد العلو في الأرض فتكون عاقبته في الهلاك في الدارين أو إحداهما عاقبتهم كما قال تعالى : { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } ( القصص : 41 )

{ ومثلاً } أي : حديثاً عجيب الشأن سائراً سير المثل { للآخرين } أي : الذين خلفوا بعدهم من زمنهم إلى آخر الدهر فيكون حالهم عظة لناس وإضلالاً لآخرين فمن أريد به الخير وفق لمثل خير يرده عن غيه ، ومن أريد به الشر اقتدى به في الشر ، وقرأ حمزة والكسائي : بضم السين واللام والباقون بفتحهما ، فأما الأولى : فتحتمل ثلاثة أوجه ؛ أحدها : أنه جمع سليف كرغيف ورغف وسمع القاسم بن معن من العرب : سليف من الناس كالفريق منهم ، والثاني : أنه جمع سالف كصابر وصبير ، والثالث : أنها جمع سلف كأسد وأسد ، وأما الثانية : فتحتمل وجهين ؛ أحدهما : أن يكون جمعاً لسالف كحارس وحرس وخادم وخدم وهذا في الحقيقة اسم جمع لا جمع تكسير إذ ليس في أبنية التكسير صيغة فعل ، والثاني : أنه مصدر يطلق على الجماعة تقول سلف الرجل يسلف سلفاً أي : تقدم والسلف كل شيء قدمته من عمل صالح أو قرض وسلف الرجل آباؤه المتقدمون والجمع أسلاف وسلاف ، وقال طفيل : سلفوا سلفاً فصد السبيل عليهم صروف المنايا والرجال تغلب .