نور الله : دينه الذي يدعو إليه الرسول الكريم .
بأفواههم : يعني بأكاذيبهم وأباطيلهم .
والله متم نوره : والله مظهرٌ دينَه ، وقد صدق .
ثم بين الله تعالى أنهم حاولوا إبطالَ الدِين وردَّ المؤمنين عنه ، لكنّهم لم يستطيعوا وخابوا في سعيهم فقال : { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ } .
إن هؤلاء الجاحدين من قريشٍ ، وبني إسرائيل في المدينة ، والمنافقين معهم ، حاولوا القضاءَ على الإسلام بالدسائس والأكاذيب فخذلَهم الله تعالى ، وأظهر دِينه فهو الدينُ القيم الذي أنار الكون ، وخاب سعيهم .
{ والله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكافرون } .
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص وخلف : متم نوره بضم الميم والإضافة بجر نوره . والباقون : متم نوره بتنوين متم ، ونصب نوره .
ولما أخبر عن ردهم للرسالة ، علله بقوله : { يريدون } أي يوقعون إرادة ردهم للرسالة بافترائهم { ليطفئوا } أي لأجل أن يطفئوا { نور الله } أي الملك الذي لا شيء يكافيه { بأفواههم } أي بما يقولون من الكذب{[65047]} لا منشأ له غير الأفواه لأنه لا اعتقاد له في القلوب لكونه{[65048]} لا يتخيله عاقل ، فهم في ذلك كالنافخين في الشمس إرادة أن يمحو نفخهم عينها و{[65049]}ينقص شينهم زينها ، فمثل إرادتهم لإخفاء القرآن بتكذيبهم وجميع كيدهم بمن{[65050]} يريد إطفاء الشمس بنفخه فهو في أجهد وأضل الضلال :
وفي تعب من يحسد الشمس ضوءها *** ويجهد أن يأتي لها{[65051]} بضريب
فأفاد قصر الفعل أن إرادتهم كلها مصروفة لهذا الغرض وأنه لا إرادة لهم غير ذلك وأنه لا ينبغي أن يكون لهم{[65052]} إرادة لأنهم عبيد ، والإرادة لا ينبغي{[65053]} إلا للسيد ليكون إرادة العبد تابعة لها ، فتكون امتثالاً لإرادته ، فكأنه لا إرادة له ، فهو أبلغ {[65054]}مما في براءة{[65055]} لأن هذه نتيجتها .
ولما أخبر بعلة إرادتهم وأشار إلى وهي أمرهم بعد أن أخبر بردهم للحق وجرأ عليهم بالإخبار بإضلالهم{[65056]} ، زاد ذلك بقوله مظهرا غير مضمر تنبيهاً على جميع{[65057]} صفات الجلال والإكرام : { والله } أي الذي لا مدافع له{[65058]} لتمام عظمته . ولما كانت هذه السورة نتيجة سورة براءة التي أخبر فيها بأنه يأبى إلا إتمام نوره ، أخبر في هذه بنتيجة ذلك وهي ثبات تمام النور ودوامه ، لأن هذا شأن الملك الذي لا كفوء له إذا أراد شيئاً فكيف إذا أرسل{[65059]} رسولاً فقال : { متم } وهذا المعنى يؤيد قول الجمهور أنها{[65060]} مدينة بعد التأييد بذكر الجهاد ، فإن فرضه كان{[65061]} بعد الهجرة من والظاهر من ترتيبها على الممتحنة التي نزلت في غزوة الفتح أنها بعد براءة في النزول أيضاً .
ولما كان النور لإظهار صور الأشياء بعد انطماسها سبباً لوضع الأشياء في أتقن مواضعها ، وكان ما أتى من عند الله من العلم كذلك ، جعل عينه فأطلق عليه اسمه فقال : { نوره } فلا يضره{[65062]} ستر أحد له بتكذيبه ولا إرادة إطفائه ، وزاد ذلك بقوله : { ولو كره } أي إتمامه له{[65063]} { الكافرون * } أي الراسخون في صفة الكفر{[65064]} المجتهدون في المحاماة عنه .
قوله : { يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم } ذلك تهكم بالكافرين السفهاء في إرادتهم القضاء على الإسلام بافتراءاتهم وأكاذيبهم عليه وبإثارة الظنون والأقاويل والأباطيل من حوله . وقد شبّه حالهم من الكيد للإسلام لإذهابه واستئصاله من الأرض بمن ينفخ في نور الشمس بفيه ليطفئه . فما يستطيع النافخ بفيه أن يطفئ ضياء الشمس المشرق المشعشع الذي يملك بسطوعه وشديد إشراقه آفاق الدنيا .
على أن المراد بنور الله ، القرآن أو الإسلام أو نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ، أو آيات الله من الدلائل والحجج الظاهرة . والأظهر أن يكون المراد بنور قرآنه الحكيم وما يصدر عنه من دين عظيم شامل وهو الإسلام بعقيدته الراسخة السمحة ، ونظامه الوارف الشاسع الذي جاء متضمنا لكل معاني الخير والرحمة والعدل والبر والفضيلة وفيه من أسباب العلاج والهداية والتوفيق ما تهتدي به البشرية على مرّ الزمن ، لتكون آمنة سالمة راضية مطمئنة . وذلكم هو نور الله الذي يريد الظالمون الخاسرون من دعاة الشر والرذيلة والباطل أن يطفئوه بأفواههم لتتبدد حقيقته ومعالمه ، وتنمحي عينه وظواهره وآثاره ، وتنكسر شوكته أيما انكسار ، وذلك بمختلف الأساليب من التشويه والتشكيك والافتراء والأراجيف وغير ذلك من أسباب القمع والتنكيل والتقتيل للمسلمين .
قوله : { والله متمّ نوره ولو كره الكافرون } الله مظهر دينه الإسلام . دين الحق والعدل والتوحيد . مظهره في العالمين ليشرق ضياؤه في الآفاق وليشعشع نوره الساطع يملأ الدنيا . وذلكم وعد من الله غير مكذوب ولن يخلف الله وعده ، فلقد ملأ الإسلام الأرض والآفاق وشاعت معانيه وأحكامه وكلماته حتى عمت سائر أنحاء العالم . وإذا ما انتكس المسلمون في كثير من الأحوال والمراحل فخبا بانتكاسهم نور الإسلام ، فإن هذا الدين العظيم ما يلبث – بخصائصه المميزة الكبرى- أن يعلو ويشيع ويستطير ليتجدد فيه الظهور والاستعلاء والشموخ من جديد فيعم الدنيا بنوره وعدله وفضله . وذلك بالرغم من كراهية المشركين الظالمين المتربصين . وبالرغم مما يكيدونه للإسلام من مختلف المكائد والمؤامرات والحيل لإضعافه وتدميره . فما يبوء تربصهم اللئيم ومكائدهم وأساليبهم الماكرة الخبيثة إلا بالخسران والفشل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.