الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يُرِيدُونَ لِيُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (8)

قوله : { لِيُطْفِئُواْ } : في هذه اللامِ أوجهٌ ، أحدُها : أنها مزيدةٌ في مفعولِ الإِرادةِ . قال الزمخشريُّ : " أصلُه : يُريدون أَنْ يُطْفِئوا ، كما جاء في سورة التوبة . وكأنَّ هذه اللامَ زِيْدَتْ مع فعل الإِرادة توكيداً له لِما فيها من معنى الإِرادة في قولِك : " جِئتُ لأكرمَك " كما زِيْدَت اللامُ في " لا أبالك " تأكيداً لمعنى الإِضافةِ في " لا أباك " . وقال ابن عطية : " واللامُ في " لِيُطْفِئوا " لامٌ مؤكِّدة دخلَتْ على المفعول لأنَّ التقديرَ : يُريدون أَنْ يُطْفئوا . وأكثر ما تَلْزَمُ هذه اللامُ المفعولَ إذا تقدَّمَ . تقول : " لزيدٍ ضَرَبْتُ ، ولِرؤيتِك قصَدْتُ " انتهى . وهذا ليس مذهبَ سيبويه وجمهورِ الناس . ثم قولُ أبي محمد : " وأكثرُ ما تَلْزَمُ " إلى آخره ليس بظاهرٍ لأنه لا قولَ بلزومِها البتةَ ، بل هي جائزةُ الزيادةِ ، وليس الأكثرُ أيضاً زيادتَها جوازاً ، بل الأكثرُ عَدَمُها .

الثاني : أنَّها لامُ العلة والمفعولُ محذوفٌ أي : يُريدون إبطالَ القرآنِ أو دَفْعَ الإِسلام أو هلاكَ الرسولِ عليه السلام لِيُطْفِئوا .

الثالث : أنها بمعنى " أَنْ " الناصبةِ ، وأنها ناصبةٌ للفعل بنفسِها . قال الفراء : " العربُ تجعلُ لامَ كي في موضع " أَنْ " في أرادَ وأمر " وإليه ذهب الكسائيٌّ أيضاً . وقد تقدَّم لك نحوٌ مِنْ هذا في قوله : { يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } في سورة النساء [ الآية : 26 ] .

قوله : { مُتِمُّ نُورِهِ } قرأ الأخَوان وحفص وابن كثير بإضافة " مُتِمُّ " ل " نورِه " والباقون بتنوينه ونصبِ " نورَه " فالإِضافةُ تخفيفٌ ، والتنوينُ هو الأصلُ . والشيخُ ينازعُ في كونِه الأصلَ وقد تقدَّم . وقوله : " واللَّهُ متمُّ " جملةٌ حالية مِنْ فاعلِ " يريدون " أو " يُطفئوا "

وقوله : " ولو كَرِه " حالٌ من هذه الحالِ فهما متداخلان . وجوابُ " لو " محذوفٌ أي : أتَمَّه وأظهرَه ، وكذلك { وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرون } .