قوله : { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ } .
الإطفاءُ هو الإخماد ، يستعملان في النار ، وفيما يجري مجراها من الضياء والظهور ، ويفترق الإخماد والإطفاء من حيث إن الإطفاء يستعمل في القليل ، فيقال : أطفأت السراج ، ولا يقال : أخمدت السراج{[56446]} .
وفي هذا اللام أوجه{[56447]} :
أحدها : أنَّها مزيدة في مفعول الإرادة .
قال الزمخشري{[56448]} : أصله { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ } كما في سورة التوبة [ 32 ] ، وكأنَّ هذه اللام ، زيدت مع فعل الإرادة توكيداً له لما فيها من معنى الإرادة في قولك : جئت لإكرامك وفي قولك : «جئت لأكرمك » ، كما زيدت اللام في : «لا أبا لك » توكيداً لمعنى الإضافة في : «لا أباك » .
وقال ابن عطية{[56449]} : «واللام في : » ليطفئوا «لام العلة مؤكدة ، ودخلت على المفعول ؛ لأن التقدير : " يريدون أن يطفئوا نور الله " ، وأكثر ما تلزم هذه اللام إذا تقدم المفعول ، تقول : لزيد ضربت ، ولرؤيتك قصدت انتهى .
وهذا ليس مذهب سيبويه{[56450]} ، وجمهور النَّاس ، ثم قول أبي محمد : " وأكثر ما يلزم " ليس بظاهر ؛ لأنه لا قول بلزومها ألبتة ، بل هي جائزة للزيادة ، وليس الأكثر أيضاً زيادتها جوازاً ، بل الأكثر عدمها .
الثاني : أنَّها لام العلة والمفعول محذوف ، أي : يريدون إبطال القرآن ، أو دفع الإسلام ، أو هلاك الرسول صلى الله عليه وسلم ليطفئوا .
الثالث : أنَّها بمعنى : " أن " الناصبة ، وأنها ناصبة للفعل بنفسها .
قال الفرَّاء : العرب تجعل " لام كي " في موضع : " أن " ، في " أراد وأمر " ، وإليه ذهب الكسائي أيضاً .
وقد تقدم نحو من هذا في قوله : { يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } في سورة النساء : [ الآية : 26 ] .
قال ابن عباسٍ وابن زيدٍ رضي الله عنهما : المراد بنور الله - هاهنا - القرآن ، يريدون إبطاله ، وتكذيبه بالقول{[56451]} . وقال السديُّ : الإسلام ، أي : يريدون{[56452]} دفعه بالكلام{[56453]} . وقال الضحاكُ : إنَّه محمد صلى الله عليه وسلم يريدون إهلاكه بالأراجيف{[56454]} . وقال ابنُ جريجٍ : حجج الله ودلائله ، يريدون إبطالها بإنكارهم وتكذيبهم ، وقيل : إنه مثل مضروب ، أي : من أراد إطفاء نور الشمس بفيه ، وجده مستحيلاً ممتنعاً ، كذلك من أراد إبطال الحق ، حكاه ابنُ عيسى .
قال الماورديُّ{[56455]} : سبب نزول هذه الآية ، ما حكاه عطاء عن ابن عبَّاس- رضي الله عنهما - أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أبطأ عليه الوحي أربعين يوماً ، فقال كعب بن الأشرف : يا معشر اليهود ، أبشروا فقد أطفأ الله نور محمد ، فما كان ينزل عليه ، وما كان ليتم أمره ، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله هذه الآية واتصل الوحي بعدها{[56456]} .
قوله : { والله مُتِمُّ نُورِهِ }قرأ الأخوان{[56457]} وحفص وابن كثير : بإضافة : " متم " ، ل : " نوره " ، والباقون : بتنوينه ونصب : " نوره " ، فالإضافة تخفيف ، والتنوين هو الأصل .
وأبو حيَّان ينازع في كونه الأصل{[56458]} .
وقوله :{ والله متم } ، جملة حالية من فاعل : " يريدون " ، أو " ليطفئوا " والمعنى : والله متم نوره ، أي : بإظهاره في الآفاق{[56459]} .
فإن قيل : الإتمام لا يكون إلاَّ عند النُّقصان ، فما معنى نقصان هذا النور ؟ .
فالجواب{[56460]} : إتمامه بحسب نقصان الأثر وهو الظُّهور في سائر البلاد من المشارق إلى المغارب ، إذ الظهور لا يظهر إلا بالإظهار ، وهو الإتمام ، يؤيده قوله تعالى : { اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ }[ المائدة : 3 ] . وعن أبي هريرة : إن ذلك عند نزول عيسى - عليه الصلاة والسلام - قاله مجاهد .
قوله : { وَلَوْ كَرِهَ }حال من هذه الحال فهما متداخلان ، وجواب : «لو » محذوف ، أي : أتمه وأظهره{[56461]} ، وكذا { وَلَوْ كَرِهَ المشركون } ، والمعنى : ولو كره الكافرون من سائر الأصناف{[56462]} ، فإن قيل : قال أولاً : { وَلَوْ كَرِهَ الكافرون } ، وقال ثانياً : { وَلَوْ كَرِهَ المشركون } فما الفائدة ؟ .
فالجواب{[56463]} : إذا أنكروا الرسول صلى الله عليه وسلم وما أوحي إليه من الكتاب ، وذلك من نعمة الله تعالى ، والكافرون كلهم في كفران النعم سواء فلهذا قال : { ولو كره الكافرون } ، ولأن لفظ الكافر أعم من لفظ المشرك ، فالمراد من الكافرين هنا : اليهود والنصارى والمشركون ، فلفظ الكافر أليق به ، وأما قوله : { وَلَوْ كَرِهَ المشركون } ، فذلك عند إنكارهم [ التوحيد ]{[56464]} وإصرارهم عليه ، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعاهم في ابتداء الدعوة إلى التوحيد ب «لا إله إلا الله » ، فلم يقولوا : «لا إله إلا الله » ، فلهذا قال : { وَلَوْ كَرِهَ المشركون } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.