فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يُرِيدُونَ لِيُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (8)

{ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم } الإطفاء الإخماد ، وأصله في النار . واستعير لما يجري مجراها من الظهور ، والمراد بالنور القرآن أي يريدون إبطاله وتكذيبه بالقول ، قاله ابن زيد ، أو المراد الإسلام قاله السدي أو محمد صلى الله عليه وسلم ، يريدون هلاكه بالأراجيف قاله الضحاك ، أو الحجج والدلائل قاله ابن بحر ، فنور الله استعارة تصريحية والإطفاء ترشيح ، وقوله : { بأفواههم } فيه تورية وكذا قوله : { نوره } ، لكن قوله { متم } تجريد لا ترشيح ، أو المراد بالنور جميع ما ذكره ، ومعنى بأفواههم بأقوالهم الخارجة من أفواههم التي لا منشأ لها غير الأفواه ، دون الاعتقاد في القلوب ، المتضمنة للطعن ، مثلت حالهم بحال من ينفخ في نور الشمس بفيه ليطفئه ، تهكما بهم وسخرية .

قال ابن عطية : اللام في { ليطفئوا } لام مؤكدة مزيدة دخلت على المفعول ، لأن التقدير يريدون أن يطفئوا ، وأكثر ما تلزم هذه اللام المفعول إذا تقدم كقولك : لزيد ضربت ولرؤيتك قصدت ، وقيل : هي لام العلة ، والمفعول محذوف ، أي يريدون إبطال القرآن ، أو دفع الإسلام ، أو هلاك الرسول ليطفئوا ، وقيل إنها بمعنى أن الناصبة ، وأنها ناصبة بنفسها ، قال الفراء : العرب تجعل لام كي في موضع أن في أراد وأمر ، وإليه ذهب الكسائي ، ومثل هذا قوله : يريد الله ليبين لكم .

{ والله متم نوره } بإظهاره في الآفاق وسائر في البلاد من المشارق إلى المغارب ، وإعلائه على غيره ، ومتم الحق ، ومبلغه غايته ، قرئ متم نوره بالإضافة سبعية وبتنوين { ولو كره الكافرون } ذلك فإنه كائن لا محالة .