تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة فصلت مكية وآياتها أربع وخمسون ، نزلت بعد سورة غافر ، وتسمى السجدة . وأول ما بدئت به السورة هو التنويه بالقرآن الكريم ، وأنه كتاب فصّلت آياته قرآنا عربيا ، وبذلك سميت " سورة فصلت " . وهي كباقي السور المكية تعالج قضية العقيدة بحقائقها الأساسية ، الألوهية الواحدة ، والحياة الآخرة ، والوحي والرسالة . وكل ما في السورة شرح لهذه الحقائق واستدلال عليها . كذلك بيّنت موقف المشركين من القرآن ، والإعراضَ عنه ، ومحاربة دعوته ، وموقف الرسول الكريم منهم من الثبات على دعوته ، وبيان وحدة الألوهية : { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد . . . } ، ويكثر الكلام عن الوحي والقرآن والجدل فيه .

وتذكّر السورة المشركين بقدرة الله في خلق السموات والأرض ، ثم تخوّفهم مما وقع لأقرب الأمم إلى ديارهم عاد وثمود ، وتذكّرهم بالآخرة ، يومَ يشهد عليهم سمعُهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ، وما يكون بينهم وبين أعضائهم من المجادلة يومئذ .

وكما تحدثت السورة عن الكافرين وعنادهم تحدثت عن المؤمنين { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا . . . } كيف تتنزل عليهم الملائكة يبشّرونهم بالجنة وما أعدّ الله لهم فيها ، ضيافة من الله الغفور الرحيم . ثم تبيّن أخلاق المسلمين ، وتعطينا درسا رفيعا في الأخلاق والسيرة الحسنة ، وكيف ندعو إلى الله : { ومن أحسنُ قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ، ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ، ادْفغ بالتي هي أحسنُ فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم } .

ما أحلى هذا الكلام العظيم ، وما أرقى هذه الأخلاق لو تمشّينا على هداها !

{ وما يُلقّاها إلا الذين صبروا ، وما يُلقّاها إلا ذو حظ عظيم } . اللهم اجعلنا منهم وحسّن أخلاقنا يا رب العالمين .

وتنتقل السورة فتوجه الأنظار إلى آيات الله وقدرته في هذا الكون الفسيح من أمر البعث وإحياء الموتى ، وتشدِّد النكير على المحرّفين لآيات الله ، وأن هذا القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .

ثم تبين خُلُقا من أخلاق الإنسان : فهو إذا أنعم الله عليه أعرضَ عن الحق ، وإذا مسّه الشر فذو دعاء عريض .

ثم تُختم السور بتقرير أمرين هما من أهم ما اشتملت عليه من الأغراض ، أولهما : التنويه بالقرآن الكريم كما بدئت السورة به ، وثانيهما : أن ما عليه الكافرون ما هو إلا شك في البعث حملهم على الكفر والضلال { ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ، ألا إنه بكل شيء محيط } .

وهكذا تعرض حقائق العقيدة بتفصيل في هذه السورة الكريمة في هذا الحشد من المؤثرات العميقة ، فنجد أننا في مطلع السورة إلى ختامها نقف أمام مؤثرات تجول بنا في ملكوت السموات والأرض ، وفي أغوار النفس ، وفي مصارع البشر ، وفي عالم القيامة ، يتأثر بها المؤمنون ، وينأى عنها المبطلون ، { وما ربُّك بظلاّم للعبيد } .

حاميم : حرفان من حروف المعجم افتتحت بهما السورة ، لإثارة الانتباه والتدليل على إعجاز القرآن .