فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة فصلت

وتسمى سورة حم السجدة وهي أربع وخمسون آية ، وقيل ثلاث وخمسون . قال القرطبي : وهي مكية في قول الجميع . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير أنها نزلت بمكة . وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل وابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال " اجتمع قريش يوماً فقالوا : انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي قد فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا ، فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه ؟ فقالوا : ما نعلم أحداً غير عتبة بن ربيعة ، فقالوا ائت يا أبا الوليد ، فأتاه فقال : يا محمد أنت خير أم عبد الله ، أنت خير أم عبد المطلب ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت ، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك ، أما والله ما رأينا سخلة قط اشأم على قومك منك ، فرقت جماعتنا وشتت أمرنا وعبت ديننا وفضحتنا في العرب ، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً وأن في قريش كاهناً ، والله ما تنتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف ، يا رجل إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً ، وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجنك عشراً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فرغت ؟ قال نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«{ حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته } حتى بلغ { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } . فقال عتبة : حسبك حسبك ما عندك غير هذا ؟ قال : لا ، فرجع إلى قريش فقالوا ما وراءك ؟ قال : ما تركت شيئاً أرى أنكم تكلمونه به إلا كلمته ، فقالوا : فهل أجابك قال : والذي نصبها بنية ما فهمت شيئاً مما قال غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ، قالوا : ويلك يكلمك الرجل بالعربية وما تدري ما قال ؟ قال : لا والله ما فهمت شيئاً مما قال غير ذكر الصاعقة " . وأخرج أبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن ابن عمر قال : " لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على عتبة بن ربيعة " حم * تنزيل من الرحمن الرحيم " أتى أصحابه فقال : يا قوم أطيعوني في هذا اليوم واعصوني بعده ، فوالله لقد سمعت من هذا الرجل كلاماً ما سمعت أذني قط كلاماً مثله ، وما دريت ما أراد عليه " . وفي هذا الباب روايات تدل على اجتماع قريش وإرسالهم عتبة بن ربيعة وتلاوته صلى الله عليه وسلم أول هذه السورة عليه .

قوله { حم } قد تقدم الكلام على إعرابه ، ومعناه في السورة التي قبل هذه السورة فلا نعيده .