سورة فصلت مكية ، نزلت بعد الإسراء وقبيل الهجرة ، وآياتها ( 54 ) أية ، نزلت بعد سورة غافر .
أسماؤها : تسمى سورة فصلت لقوله تعالى في أوائلها : { كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون } ( فصلت : 3 ) .
وتسمى سورة حم السجدة لاشتمالها على السجدة ، وسورة المصابيح لقوله تعالى : { وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم } . ( فصلت : 12 ) .
الروح السارية بين آيات سورة فصلت هي عرض أهداف الدعوة الجديدة وأركانها وحقائقها الأساسية ، وهذه الحقائق هي :
الإيمان بالله وحده ، وبالحياة الآخرة ، وبالوحي والرسالة ، ويضاف إلى ذلك طريقة الدعوة إلى الله وخلق الداعية .
وكل ما في السورة هو شرح لهذه الحقائق ، واستدلال عليها ، وعرض لآيات الله في الأنفس والآفاق ، وتحذير من التكذيب بها ، وتذكير بمصارع المكذبين في الأجيال السابقة ، وعرض لمشاهد المكذبين يوم القيامة ، وبيان أن المكذبين من الجن والإنس هم وحدهم الذين لا يسلمون بهذه الحقائق ، ولا يستسلمون لله وحده ، بينما السماء والأرض والشمس والقمر والملائكة . . . كلهم يسجدون لله ويخضعون لأمره ويسلمون ويستسلمون له .
تنقسم سورة فصلت إلى موضوعين اثنين :
يشمل نصف السورة الأول ، الآيات من ( 1-36 ) ، ويبدأ بالآيات التي تتحدث عن تنزيل الكتاب وطبيعته ، وموقف المشركين منه ، وتليها قصة خلق السماء والأرض ، فقصة عاد وثمود ، فمشهدهم في الآخرة حيث تشهد عليهم الأسماع والأبصار والجلود ، ومن هنا يرتد إلى الحديث عنهم في الدنيا وكيف ضلوا هذا الضلال ، فيذكر أن الله قيض لهم قرناء سوء من الجن والإنس ، يزينون لهم ما بين أيديهم وما خلفهم ، ومن آثار هذا قولهم : { لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون } . ( فصلت : 26 ) .
ثم موقفهم يوم القيامة حانقين على هؤلاء الذين خدعوهم من قرناء الجن والإنس ، وفي الجهة الأخرى نجد الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، وهؤلاء تتنزل عليهم الملائكة – لا قرناء السوء – يطمئنونهم ويبشرونهم ويعلنون ولا يتهم لهم في الدنيا والآخرة ، ويلي هذا ما جاء في الدعوة والداعية ، وبذلك ينتهي الموضوع الأول .
تتحدث الآيات من ( 37-54 ) عن آيات الله من الليل والنهار ، والشمس والقمر ، والملائكة العابدة ، والأرض خاشعة ، والحياة التي تهتز فيها وتربو بعد الموت ، ويلي هذا الحديث عن الذين يلحدون في آيات الله وفي كتابه ، وهنا يجيء ذلك الحديث عن هذا الكتاب ، ويشار إلى كتاب موسى واختلاف قومه فيه ، وأنه لولا سبق حكمه بإمهالهم لعجل بقضائه بينهم .
وهنا يرد حديث الساعة واختصاص علم الله بها ، وعلمه بما تكنه الأكمام من ثمرات ، وما تكنه الأرحام من أنسال ، ويعرض مشهد الكافرين وهم يسألون عن الشركاء ، يلي هذا الحديث عن النفس البشرية عارية من أستارها ، ومع حرص الإنسان على نفسه هكذا فإنه لا يحتاط لها ، فيكذب ويكفر ، غير محتاط لما يعقب هذا التكذيب من دمار وعذاب .
وتختم السورة بوعد من الله أن يكشف للناس عن آياته في الآفاق وفي أنفسهم .
وقد صدق الله وعده فكشف لهم عن آياته في الآفاق خلال الأربعة عشر قرنا التي تلت هذا الوعد ، فعرفوا كثيرا عن مادة هذا الكون ، وعرفوا أن أساس بناء هذا الكون هو الذرة ، وعرفوا أن الذرة تتحول إلى إشعاع ، وعرفوا أن الكون كله من إشعاع .
وعرفوا الكثير عن كروية الأرض وحركتها حول نفسها وحول الشمس ، وعرفوا الكثير عن المحيطات والأنهار والمخبوء في جوف الأرض من الأرزاق .
وفي آفاق النفس اهتدى الإنسان إلى معرفة الكثير من خصائص الجسم البشري وأسراره ، ووظائفه وأمراضه ، وغذائه وتمثيله ، وأسرار عمله وحركته ، ثم عن تطور المعرفة حول ذكاء الإنسان ونفسية الأفراد والجماعات وقياس السلوك ، ولا يزال الإنسان في الطريق إلى اكتشاف نفسه ، واكتشاف الكون من حوله ، حتى يحق وعد الله بأن كلماته حق ، وآياته صدق ، وكتابه منزل ، وهو على كل شيء شهيد .
قال تعالى : { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ، ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط } . ( فصلت : 53 ، 54 ) .
أخرج الإمام عبد بن حميد في مسنده ، وأبو يعلى ، والبغوي ، وغيرهم ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : اجتمعت قريش يوما ، فقالوا انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر ، فليأت هذا الرجل الذي فرّق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب آلهتنا ، فليكلّمه ، ولننظر ماذا يردّ عليه ، فقالوا : ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة ، فقالوا : ائته يا أبا الوليد ، فأتاه عتبة ، فقال : يا محمد ، إن كان إنّما بك الحاجة ، جمعنا لك حتى تكون أغنى قريشا رجلا ، وإن كان إنما بك الباءة {[1]} فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوّجك عشرا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فرغت " ؟ قال : نعم ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم صدرا من سورة فصّلت ، حتى قال عتبة : حسبك وعاد إلى قومه ، فقالوا ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال : ورائي أني سمعت قولا ، والله ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة ، يا معشر قريش ، أطيعوني واجعلوها لي ، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه ، فاعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ، قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ، قال : هذا رأيي فيه ، فاصنعوا ما بدا لكم {[2]} .
{ حم 1 تنزيل من الرحمان الرحيم 2 كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون 3 بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون 4 وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون 5 قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين 6 الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون 7 إن الذين آمنوا وعلموا الصالحات لهم أجر غير ممنون 8 * }
افتتاح قُصد به لفت الأنظار ، وإثارة الانتباه إلى أن هذا القرآن مؤلف من حروف عربية تنطقون بها ، وقد عجزتم عن الإتيان بمثله ، فدلّ ذلك على أنه من عند الله وحده ، وقيل : هي أدوات للتنبيه ، كالجرس الذي يقرع فيتنبه التلاميذ إلى دخول المدرسة ، وقيل : هي حروف تشير إلى أسماء الله تعالى أو صفاته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.