قوله تعالى : " وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل " وإن شئت أدغمت اللام في النون لقربها منها " ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق " هذا إخبار عمن قال : " لا تأتينا الساعة " [ سبأ : 3 ] أي هل نرشدكم إلى رجل ينبكم ، أي يقول لكم : إنكم تبعثون بعد البلي في القبور . وهذا صادر عن فرط إنكارهم . الزمخشري : " فإن قلت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهورا علما في قريش ، وكان إنباؤه بالبعث شائعا عندهم ، فما معنى قولهم : " هل ندلكم على رجل ينبئكم " فنكروه لهم وعرضوا عليهم الدلالة عليه ، كما يدل على مجهول في أمر مجهول .
قلت : كانوا يقصدون بذلك الطنز{[12956]} والهزؤ والسخرية ، فأخرجوه مخرج التحكي{[12957]} ببعض الأحاجي التي يتحاجى بها للضحك والتلهي ، متجاهلين به وبأمره . و " إذا " في موضع نصب والعامل فيها " مزقتم " قاله النحاس . ولا يجوز أن يكون العامل فيها " ينبئكم " ، لأنه ليس يخبرهم ذلك الوقت . ولا يجوز أن يكون العامل فيها ما بعد " إن " ، لأنه لا يعمل فيما قبله ، وألا يتقدم عليها ما بعدها ومعمولها . وأجاز الزجاج أن يكون العامل فيها محذوفا . التقدير : إذا مزقتم كل ممزق بعثتم ، أو ينبئكم بأنكم تبعثون إذا مزقتم . المهدوي : ولا يعمل فيه " مزقتم " ؛ لأنه مضاف إليه ، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف . وأجازه بعضهم على أن يجعل " إذا " للمجازاة ، فيعمل فيها حينئذ ما بعدها لأنها غير مضافة إليه . وأكثر ما تقع " إذا " للمجازاة في الشعر . ومعنى " مزقتم كل ممزق " فرقتم كل تفريق . والمزق خرق الأشياء . يقال : ثوب مزيق وممزوق ومتمزق وممزق .
ولما عجب سبحانه{[56389]} من الذين كفروا في قولهم { لا تأتينا الساعة } المتضمن لتكذيبهم ، وختم بتصديق الذين أوتوا العلم مشيراً إلى أن سبب{[56390]} تكذيب الكفرة الجهل الذي سببه الكبر ، عجب منهم تعجيباً آخر أشد من الأول لتصريحهم بالتكذيب على وجه عجيب{[56391]} فقال : { وقال{[56392]} الذين كفروا } أي الذين تحققوا أمره صلى الله عليه وسلم وأجمعوا خلافه وعتوا على العناد{[56393]} ، لمن يرد عليهم ممن لا يعرف حقيقة حاله معجبين ومنفرين{[56394]} : { هل ندلكم } أي أيها المعتقدون أن لا حشر . ولما أخرجوا الكلام مخرج الغرائب المضحكة{[56395]} لم يذكروا اسمه مع أنه أشهر الأسماء ، بل قالوا : { على رجل } أي ليس هو {[56396]}صبياً و{[56397]} لا امرأة حتى تعذروه{[56398]} { ينبئكم } أي يخبركم متى شئتم{[56399]} إخباراً لا أعظم منه بما حواه من العجب الخارج عما نعقله مجدداً لذلك متى شاء المستخبر له{[56400]} .
ولما كان القصد ذكر ما يدل عندهم على استبعاد البعث ، قدموا المعمول فقالوا : { إذا } أي إنكم إذا{[56401]} { مزقتم } أي قطعتم وفرقتم بعد موتكم {[56402]}من كل من شأنه أن يمزق من التراب والرياح وطول الزمان ونحو ذلك{[56403]} تمزيقاً عظيماً ، بحيث صرتم تراباً ، وذلك{[56404]} معنى { كل ممزق } أي كل تمزيق ، فلم يبق شيء من أجسادكم مع شيء ، بل صار الكل بحيث {[56405]}لا يميز بين{[56406]} ترابه وتراب الأرض ، وذهبت به السيول كل مذهب ، فصار مع اختلاطه بتراب الأرض والتباسه متباعداً بعضه عن بعض ، وكسر معمول " ينبئكم " لأجل اللام فقال : { إنكم لفي } أي لتقومون كما كنتم قبل الموت قياماً لا شك فيه ، والإخبار به مستحق{[56407]} لغاية التأكيد{[56408]} { خلق جديد * } وهذا عامل{[56409]} إذا الظرفية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.