الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{ثُمَّ كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (4)

" ثم كلا سوف تعلمون " : وعيد بعد الآخرة إذا حل بكم العذاب . فالأول في القبر ، والثاني في الآخرة ، فالتكرار للحالتين . وقيل :{ كلا سوف تعلمون } عند المعاينة ، أن ما دعوتكم إليه حق . { ثم كلا سوف تعلمون } : عند البعث أن ما وعدتكم به صدق . وروى زر بن حبيش عن علي رضي الله عنه ، قاله : كنا نشك في عذاب القبر ، حتى نزلت هذه السورة ، فأشار إلى أن قوله : { كلا سوف تعلمون } يعني في القبور . وقيل : { كلا سوف تعلمون } ، إذا نزل بكم الموت ، وجاءتكم رسل لتنزع أرواحكم . { ثم كلا سوف تعلمون } : إذا دخلتم قبوركم ، وجاءكم منكر ونكير ، وحاط بكم هول السؤال ، وانقطع منكم الجواب .

قلت : فتضمنت السورة القول في عذاب القبر . وقد ذكرنا في كتاب " التذكرة " أن الإيمان به واجب ، والتصديق به لازم ، حسبما أخبر به الصادق ، وأن الله تعالى يحيي العبد المكلف في قبره ، برد الحياة إليه ، ويجعل له من العقل في مثل الوصف الذي عاش عليه ؛ ليعقل ما يسأل عنه ، وما يجيب به ، ويفهم ما أتاه من ربه ، وما أعد له في قبره ، من كرامة وهوان . وهذا هو مذهب أهل السنة ، والذي عليه الجماعة من أهل الملة . وقد ذكرناه هناك مستوفى ، والحمد لله ، وقيل : { كلا سوف تعلمون } عند النشور أنكم مبعوثون{ ثم كلا سوف تعلمون } في القيامة أنكم معذبون . وعلى هذا تضمنت أحوال القيامة من بعث وحشر ، وسؤال وعرض ، إلى غير ذلك من أهوالها وأفزاعها ، حسب ما ذكرناه في كتاب " التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة " . وقال الضحاك : { كلا سوف تعلمون } يعني الكفار ، { ثم كلا سوف تعلمون } قال : المؤمنون . وكذلك كان يقرؤها ، الأولى بالتاء ، والثانية بالياء .