الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَيۡرِ لَشَدِيدٌ} (8)

قوله تعالى : { وإنه لحب الخير لشديد }

قوله تعالى : " وإنه " أي الإنسان من غير خلاف . { لحب الخير } أي المال ، ومنه قوله تعالى : { إن ترك خيرا }{[16307]} [ البقرة : 180 ] ، وقال عدي :

ماذا تُرَجِّي النفوسُ من طلب ال***خَيْرِ وحُبُّ الحياةِ كَارِبُها{[16308]}

" لشديد " أي لقوي في حبه للمال . وقيل : " لشديد " لبخيل . ويقال للبخيل : شديد ومتشدد . قال طرفة :

أرى الموتَ يَعْتَامُ الكرامَ ويَصْطَفِي *** عَقِليةَ مال الفاحش المتشدِّدِ

يقال : اعتامه واعتماه ، أي اختاره . والفاحش : البخيل أيضا . ومنه قوله تعالى : { ويأمركم بالفحشاء }{[16309]} [ البقرة : 268 ] أي البخل . قال ابن زيد : سمى الله المال خيرا ، وعسى أن يكون شرا وحراما{[16310]} ، ولكن الناس يعدونه خيرا ، فسماه الله خيرا لذلك . وسمى الجهاد سواء ، فقال : { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم{[16311]} سوء }[ آل عمران : 174 ] على ما يسميه الناس . قال الفراء : نظم الآية أن يقال : وإنه لشديد الحب للخير ، فلما تقدم الحب قال : شديد ، وحذف من آخره ذكر الحب ؛ لأنه قد جرى ذكره ، ولرؤوس الآي ، كقوله تعالى : { في يوم عاصف }{[16312]} [ إبراهيم : 18 ] والعصوف : للريح لا الأيام ، فلما جرى ذكر الريح ، كأنه قال : في يوم عاصف الريح .


[16307]:آية 180 سورة البقرة.
[16308]:كاربها: غامها، من كربه الأمر: اشتد عليه.
[16309]:آية 268 سورة البقرة.
[16310]:في بعض نسخ الأصل: "شرا وخيرا".
[16311]:آية 174 سورة آل عمران.
[16312]:آية 18 سورة إبراهيم.