الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ} (7)

{ عيشة راضية } أي عيش مرضي ، يرضاه صاحبه . وقيل : { عيشة راضية } أي فاعلة للرضا ، وهو اللين والانقياد لأهلها . فالفعل للعيشة ؛ لأنها أعطت الرضا من نفسها ، وهو اللين والانقياد . فالعيشة كلمة تجمع النعم التي في الجنة ، فهي فاعلة للرضا ، كالفرش المرفوعة ، وارتفاعها مقدار مائة عام ، فإذا دنا منها ولي الله اتضعت حتى يستوي عليها ، ثم ترتفع كهيئتها ، ومثل الشجرة فرعها ، كذلك أيضا من الارتفاع ، فإذا اشتهى ولي الله ثمرتها تدلت إليه ، حتى يتناولها ولي الله قاعدا وقائما ، وذلك قوله تعالى : { قطوفها دانية }{[16327]} [ الحاقة : 23 ] . وحيثما مشى أو ينتقل من مكان إلى مكان ، جرى معه نهر حيث شاء ، علوا وسفلا ، وذلك قوله تعالى : { يفجرونها تفجيرا }{[16328]} [ الإنسان : 6 ] . فيروى في الخبر ( إنه يشير بقضيبه فيجري من غير أخدود حيث شاء من قصوره وفي مجالسه ) . فهذه الأشياء كلها عيشة قد أعطت الرضا من نفسها ، فهي فاعلة للرضا ، وهي أنزلت وانقادت بذلا وسماحة .


[16327]:آية 23 سورة الحاقة.
[16328]:آية 6 سورة الإنسان.