الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ} (4)

قوله تعالى : " يوم " منصوب على الظرف ، تقديره : تكون القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث . قال قتادة : الفراش الطير الذي يتساقط في النار والسراج . الواحد فراشة ، وقاله أبو عبيدة . وقال الفراء : إنه الهمج الطائر ، من بعوض وغيره ، ومنه الجراد . ويقال : هو أطيش من فراشه . وقال :

طُوَيِّشٌ من نفرٍ أَطْيَاشِ *** أطيشُ من طائرة الفَرَاشِ

وقال آخر :

وقد كان أقوامٌ رددتَ قلوبَهُمْ *** إليهم{[16318]} وكانوا كالفَرَاشِ من الجَهْلِ

وفي صحيح مسلم عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا ، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها ، وهو يذبهن عنها ، وأنا آخذ بحجزكم عن النار ، وأنتم تفلتون من يدي " ، وفي الباب عن أبي هريرة . والمبثوث : المتفرق . وقال في موضع آخر : { كأنهم جراد منتشر }{[16319]} [ القمر : 7 ] . فأول حالهم كالفراش لا وجه له ، يتحير في كل وجه ، ثم يكونون كالجراد ؛ لأن لها وجها تقصده . والمبثوث : المتفرق والمنتشر . وإنما ذكر على اللفظ : كقوله تعالى : { أعجاز نخل{[16320]} منقعر } [ القمر : 20 ] ، ولو قال : المبثوثة [ فهو ] كقوله تعالى : { أعجاز نخل خاوية }{[16321]} [ الحاقة : 7 ] . وقال ابن عباس والفراء : { كالفراش المبثوث } كغوغاء الجراد ، يركب بعضها بعضا . كذلك الناس يجول بعضهم في بعض إذا بعثوا .


[16318]:في بعض النسخ: "عليهم".
[16319]:آية 7 سورة القمر.
[16320]:آية 20 سورة القمر.
[16321]:الزيادة من تفسير ابن عادل يقتضيها السياق.