الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{أَوۡ يُصۡبِحَ مَآؤُهَا غَوۡرٗا فَلَن تَسۡتَطِيعَ لَهُۥ طَلَبٗا} (41)

" أو يصبح ماؤها غورا " أي غائرا ذاهبا ، فتكون أعدم أرض للماء بعد أن كانت أوجد أرض للماء . والغور مصدر وضع موضع الاسم ، كما يقال : رجل صوم وفطر وعدل ورضا وفضل وزور ونساء نوح ، ويستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع . قال عمرو بن كلثوم :

تظلُّ جيادُه نوحاً عليه*** مقلَّدة أعنتها صُفُونَا

آخر :

هرِيقي من دموعهما سجاما *** ضُبَاع وجاوبي نوحا قياما

أي نائحات . وقيل : أو يصبح ماؤها ذا غور ، فحذف المضاف ، مثل " واسأل القرية{[10542]} " [ يوسف : 82 ] ذكره النحاس . وقال الكسائي : ماء غور . وقد غار الماء يغور غورا وغُوُورا ، أي سفل في الأرض ، ويجوز الهمزة لانضمام الواو . وغارت عينه تغور غورا وغوورا ، دخلت في الرأس . وغارت تغار لغة فيه . وقال :

أغارت عينُه أم لم تَغَارا

وغارت الشمس تغور غِيارا ، أي غربت . قال أبو ذؤيب :

هل الدهر إلا ليلةٌ ونهارُها *** وإلا طلوعُ الشمس ثم غيارُها

" فلن تستطيع له طلبا " أي لن تستطيع رد الماء الغائر ، ولا تقدر عليه بحيلة . وقيل : فلن تستطيع طلب غيره بدلا منه . وإلى هذا الحديث انتهت مناظرة أخيه وإنذاره .


[10542]:راجع جـ 9 ص 245 فما بعد.