الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِۦ فَأَصۡبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيۡهِ عَلَىٰ مَآ أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُشۡرِكۡ بِرَبِّيٓ أَحَدٗا} (42)

قوله تعالى : " وأحيط بثمره " اسم ما لم يسم فاعله مضمر ، وهو المصدر . ويجوز أن يكون المخفوض في موضع رفع . ومعنى " أحيط بثمره " أي أهلك ماله كله . وهذا أول ما حقق الله تعالى به إنذار أخيه . " فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها " أي فأصبح الكافر يضرب إحدى يديه على الأخرى ندما ؛ لأن هذا يصدر من النادم . وقيل : يقلب ملكه فلا يرى فيه عوض ما أنفق ، وهذا لأن الملك قد يعبر عنه باليد ، من قولهم : في يده مال ، أي في ملكه مال . ودل قوله " فأصبح " على أن هذا الإهلاك جرى بالليل ، كقوله " فطاف{[10543]} عليها طائف من ربك وهم نائمون . فأصبحت كالصريم " [ القلم : 19 ] ويقال : أنفقت في هذه الدار كذا وأنفقت عليها . " وهي خاوية على عروشها " أي خالية قد سقط بعضها على بعض ؛ مأخوذ من خَوَت النجوم تَخْوَى خَيًّا أمحلت ، وذلك إذا سقطت ولم تمطر في نوئها . وأَخْوَت مثله . وخَوَت الدار خَواء أقوت ، وكذلك إذا سقطت ، ومنه قوله تعالى : " فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا{[10544]} " [ النمل : 52 ] ويقال ساقطة ، كما يقال فهي خاوية على عروشها أي ساقطة على سقوفها ، فجمع عليه بين هلاك الثمر والأصل ، وهذا من أعظم الجوانح ، مقابلة على بغية . " ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا " أي يا ليتني عرفت نعم الله علي ، وعرفت أنها كانت بقدرة الله ولم أكفر به . وهذا ندم منه حين لا ينفعه الندم .


[10543]:راجع جـ 18 ص 238 فما بعد.
[10544]:راجع جـ 13 ص 216 فما بعد.