الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي فَٱغۡفِرۡ لِي فَغَفَرَ لَهُۥٓۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (16)

" قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له " ندم موسى عليه السلام على ذلك الوكز الذي كان فيه ذهاب النفس ، فحمله ندمه على الخضوع لربه والاستغفار من ذنبه . قال قتادة : عرف والله المخرج فاستغفر ، ثم لم يزل صلى الله عليه وسلم يعدد ذلك على نفسه ، مع علمه بأنه قد غفر له ، حتى أنه في القيامة يقول : إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها ، وإنما عدده على نفسه ذنبا وقال : " ظلمت نفسي فاغفر لي " من أجل أنه لا ينبغي لنبي أن يقتل حتى يؤمر ، وأيضا فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم . قال النقاش : لم يقتله عن عمد مريدا للقتل ، وإنما وكزه وكزة يريد بها دفع ظلمه . قال : وقد قيل : إن هذا كان قبل النبوة . وقال كعب : كان إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة ، وكان قتله مع ذلك خطأ ، فإن الوكزة واللكزة في الغالب لا تقتل . وروى مسلم عن سالم بن عبدالله أنه قال : يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الفتنة تجيء من ها هنا وأومأ بيده نحو المشرق - من حيث يطلع قرنا الشيطان وأنتم بعضكم يضرب رقاب بعض ، وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ . فقال الله عز وجل : " وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا " [ طه : 40 ] .