اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي فَٱغۡفِرۡ لِي فَغَفَرَ لَهُۥٓۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (16)

وأما قوله { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغفر لِي } ( فعلى نهج{[39878]} قول آدم عليه السلام ){[39879]} { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا } [ الأعراف : 23 ] والمراد أحد وجهين : إما على سبيل الانقطاع إلى الله ، والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه وإِنْ لم يكن هناك ذنب قط أو من حيث حرم نفسه الثواب بترك المندوب .

وأما قوله «فَاغْفِرْ لِي » أي : فاغفر لي ترك هذا المندوب . وفيه وجه آخر ، وهو أن يكون المراد { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي } حيث قتلت هذا الملعون ، فإنَّ فرعون لو عرف ذلك لقتلني به ، «فَاغْفِرْ ليْ » ، فاستره عليَّ ولا توصل خبره إلى فرعون ، «فَغَفَرَ لَهُ » أي : ستره عن الوصول إلى فرعون ، ويدل على هذا قوله { رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ } فلو{[39880]} كانت إعانة المؤمن هنا سبباً للمعصية لما قال ذلك ، وأما قوله{[39881]} { فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضالين } [ الشعراء : 20 ] فلم يقل إني صرت بذلك ضالاً ، بل اعترف أنه كان ضالاً أي : متحيراً لا يدري ما يجب عليه .

وأما قوله : إنْ كان كافراً حربياً فَلِمَ استغفر من قتله ؟ قلنا : كون الكافر مباح الدم أمر يختلف باختلاف الشرائع ، فلعلّ قتلهم كان حراماً في ذلك الوقت ، أو{[39882]} كان مباحاً لكن الأولى تركه على ما قررناه .

وأما قوله : كان قتل خطأ ، قلنا : لا نسلم ، فلعل الرجل إن كان ضعيفاً وموسى عليه السلام{[39883]} كان في نهاية الشدة فوكزه{[39884]} كان قاتلاً قطعاً ، ثم إن سلمنا ذلك{[39885]} ولكنه - عليه السلام{[39886]} - كان يمكنه أن يخلص الإسرائيلي من يده بدون الوكز الذي كان الأولى تركه ، فلهذا أقدم على الاستغفار . على أَنَّا وإن سلمنا دلالة هذه الآية على صدور المعصية ، لكنَّا بيَّنَّا أَنهُ لا دلالة البتة فيه ، لأنه لم يكن رسولاً في ذلك الوقت فيكون ذلك قبل النبوة لا نزاع فيه{[39887]} .

فصل :

قال المعتزلة : الآية تدل على بطلان قول من نسب المعاصي إلى الله ، لأنه - عليه السلام{[39888]} - قال : { هذا مِنْ عَمَلِ الشيطان } ، فلو كانت بخلق الله لكانت من الله لا من الشطيان ، وهو كقول يوسف - عليه السلام {[39889]}- { مِن بَعْدِ أَنْ نَزغَ الشيطان بَيْنِي وَبَيْنَ إخوتي } [ يوسف : 100 ] ، وقول فتى موسى { وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطانُ } [ الكهف : 63 ] ، وقوله تعالى : { لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الجنة }{[39890]} [ الأعراف : 27 ] ، وتقدم الكلام على ذلك .


[39878]:نهج: تكملة من الفخر الرازي.
[39879]:ما بين القوسين في ب: فقيل قول موسى- صلى الله عليه وسلم-.
[39880]:في ب: فلما.
[39881]:فعلتها: سقط من ب.
[39882]:في ب: و.
[39883]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[39884]:في ب: فوكزه موسى.
[39885]:ذلك: تكملة من الفخر الرازي.
[39886]:ذلك: تكملة من الفخر الرازي.
[39887]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[39888]:انظر الفخر الرازي 24/234-235.
[39889]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[39890]:انظر الفخر الرازي 24/235.