نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي فَٱغۡفِرۡ لِي فَغَفَرَ لَهُۥٓۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (16)

ولما كان هذا كافرا ليس فيه شيء غير الندم لكونه صلى الله عليه وسلم لم يأته في قتله إذن خاص ، وكان قد أخبر عنه بالندم ، تشوفت أنفس البصراء إلى الاستغفار عنه ، علماً منهم بأن عادة الأنبياء وأهل الدرجات العلية استعظام الهفوات ، فأجيبوا بالإخبار عن مبادرته إلى ذلك بقوله : { قال } وأسقط أداة النداء ، على عادة أهل الاصطفاء ، فقال : { رب } أي أيها المحسن إليّ .

ولما كان حال المقدم على شيء دالة على إرادته فاستحسانه إياه ، أكد قوله إعلاماً بأن باطنه على غير ما دل عليه ظاهره فقال : { إني ظلمت نفسي } أي بالإقدام على ما لم يتقدم إليّ فيه إذن بالخصوص وإن كان مباحاً .

ولما كان المقرب قد يعد حسنة غيره سيئته ، قال مسبباً عن ذلك : { فاغفر } أي امح هذه الهفوة عينها وأثرها { لي } أي لأجلي لا تؤاخذني { فغفر } أي أوقع المحو لذلك كما سأل إكراماً { له } ثم علل ذلك بقوله مشيراً إلى أن صفة غيره عدم بالنسبة إلى صفته مؤكداً لذلك : { إنه هو } أي وحده { الغفور } أي البالغ في صفة الستر لكل من يريد { الرحيم* } أي العظيم الرحمة بالإحسان بالتوفيق إلى الأفعال المرضية لمقام الإلهية ، ولأجل أن هذه صفته ، رده إلى فرعون وقومه حين أرسله إليهم فلم يقدروا على مؤاخذته بذلك بقصاص ولا غيره بعد أن نجاه منهم قبل الرسالة على غير قياس .