الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ وَكُفۡرِهِم بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَقَتۡلِهِمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَقَوۡلِهِمۡ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَلۡ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيۡهَا بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (155)

قوله تعالى : " فبما نقضهم ميثاقهم " " فبما نقضهم " خفض بالباء و " ما " زائدة مؤكدة كقوله : " فبما رحمة من الله " [ آل عمران : 159 ] وقد تقدم{[5109]} ؛ والباء متعلقة بمحذوف ، التقدير : فبنقضهم ميثاقهم لعناهم . عن قتادة وغيره . وحذف هذا لعلم السامع . وقال أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي : هو متعلق بما قبله ، والمعنى فأخذتهم الصاعقة بظلمهم إلى قوله : " فبما نقضهم ميثاقهم " قال : ففسر ظلمهم الذي أخذتهم الصاعقة من أجله بما بعده من نقضهم الميثاق وقتلهم الأنبياء وسائر ما بين من الأشياء التي ظلموا فيها أنفسهم . وأنكر ذلك الطبري وغيره ؛ لأن الذين أخذتهم الصاعقة كانوا على عهد موسى ، والذين قتلوا الأنبياء ورموا مريم بالبهتان كانوا بعد موسى بزمان ، فلم تأخذ الصاعقة الذين أخذتهم برميهم مريم بالبهتان . قال المهدوي وغيره : وهذا لا يلزم ؛ لأنه يجوز أن يخبر عنهم والمراد آباؤهم ، على ما تقدم في " البقرة " {[5110]} . قال{[5111]} الزجاج : المعنى فبنقضهم ميثاقهم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ؛ لأن هذه القصة ممتدة إلى قوله : " فبظلم من الذين هادوا حرمنا " [ النساء : 160 ] . ونقضهم الميثاق أنه أخذ عليهم أن يبينوا صفة النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : المعنى فبنقضهم ميثاقهم وفعلهم كذا وفعلهم كذا طبع الله على قلوبهم . وقيل : المعنى فبنقضهم لا يؤمنون إلا قليلا ، والفاء مقحمة . و " كفرهم " عطف ، وكذا و " قتلهم " . والمراد " بآيات الله " كتبهم التي حرفوها . و " غلف " جمع غلاف ، أي قلوبنا أوعية للعلم فلا حاجة بنا إلى علم سوى ما عندنا . وقيل : هو جمع أغلف وهو المغطى بالغلاف ؛ أي قلوبنا في أغطية فلا نفقه ما تقول ؛ وهو كقوله : " قلوبنا في أكنة{[5112]} " [ فصلت : 5 ] وقد تقدم هذا في " البقرة " {[5113]} وغرضهم بهذا درء{[5114]} حجة الرسل . والطبع الختم ، وقد تقدم في " البقرة{[5115]} " .


[5109]:راجع ج 4 ص 248.
[5110]:راجع ج 1 ص 246.
[5111]:من ك.
[5112]:راجع ج 15 ص 339.
[5113]:راجع ج 2 ص 25.
[5114]:في ج: ر د.
[5115]:راجع ج 1 ص 185.