الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ إِذ ظَّلَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ فِي ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ} (39)

قوله تعالى : " ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم " " إذ " بدل من اليوم ، أي يقول الله للكافر : لن ينفعكم اليوم إذ أشركتم في الدنيا هذا الكلام ، وهو قول الكافر : " يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين " أي لا تنفع الندامة اليوم " إنكم " بالكسر " في العذاب مشتركون " وهي قراءة ابن عامر باختلاف عنه . الباقون بالفتح . وهي في موضع رفع تقديره : ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب ؛ لأن لكل واحد نصيبه الأوفر منه . أعلم الله تعالى أنه منع أهل النار التأسي كما يتأسى أهل المصائب في الدنيا ، وذلك أن التأسي يستروحه أهل الدنيا فيقول أحدهم : لي في البلاء والمصيبة أسوة ، فيسكن ذلك من حزنه ؛ كما قالت الخنساء :

فلولا كثرةُ الباكين حولي *** على إخوانهم لقتلتُ نفسي

وما يبكون مثلَ أخي ولكن *** أعَزِّي النَّفْسَ عنه بالتَّأَسِّي

فإذا كان في الآخرة لم ينفعهم التأسي ، شيئا لشغلهم بالعذاب . وقال مقاتل : لن ينفعكم الاعتذار والندم اليوم ؛ لأن قرناءكم وأنتم في العذاب مشتركون كما اشتركتم في الكفر .