السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ إِذ ظَّلَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ فِي ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ} (39)

وفي فاعل قوله تعالى : { ولن ينفعكم اليوم } قولان أحدهما : أنه ملفوظ به وهو أنكم وما في حيزها والتقدير : ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب بالتأسي كما ينفعكم الاشتراك في مصائب الدنيا فيتأسى المصاب بمثله ومنه قول الخنساء :

ولولا كثرة الباكين حولي *** على موتاهم لقتلت نفسي

*ما يبكون مثل أخي ولكن *** أعزي النفس عنه بالتأسي

والثاني : أنه مضمر فقدره بعضهم ضمير التمني المدلول عليه بقوله : { يا ليت بيني } أي : لن ينفعكم تمنيكم البعد وبعضهم اجتماعكم وبعضهم ظلمكم وجحدكم ، وعبارة من عبر بأن الفاعل محذوف مقصوده الإضمار المذكور لا الحذف إذ الفاعل لا يحذف إلا في مواضع ليس هذا منها والمعنى : ولن ينفعكم اليوم في الآخرة { إذ ظلمتم } أي : أشركتم في الدنيا { أنكم في العذاب مشتركون } أي : لا ينفعكم الاشتراك في العذاب ولا يخفف الاشتراك عنكم لأن لكل واحد من الكفار والشياطين الحظ الأوفر من العذاب كما كنتم تشتركون في الدنيا .

تنبيه : استشكل المعربون هذه الآية ووجهه أن قوله تعالى : { اليوم } ظرف حالي وإذ ظرف ماضي وينفعكم مستقبل لاقترانه بلن التي لنفي المستقبل ، والظاهر أنه عامل في الظرفين وكيف يعمل الحدث المستقبل الذي لم يقع إلا بعد في ظرف حالي وماض هذا مما لا يجوز ؟ أجيب : عن أعماله في الظرف الحالي على سبيل قربه منه لأن الحال قريب من الاستقبال فيجوز في ذلك قال تعالى : { فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً } ( الجن : 9 ) وقال الشاعر :

سأسعى الآن إذ بلغت أباها *** وهو إقناعي وإلا فالمستقبل

يستحيل وقوعه في الحال عقلاً وأما قوله تعالى : { إذ } ففيها للناس أوجه كثيرة قال ابن جني : راجعت أبا علي فيها مراراً كثيرة فآخر ما حصلت منه أن الدنيا والآخرة متصلتان وهما سواء في حكم الله تعالى وعلمه ، فإذ بدل من اليوم حتى كأنها مستقبلة أو كان اليوم ماض وإلى هذا نحا الزمخشري قال : وإذ بدل من اليوم ، وحمل الزمخشري على معنى إذ تبين وصح ظلمكم ولم يبق لأحد ولا لكم شبهة في أنكم كنتم ظالمين ونظيره :

إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أي : تبين أني ولد كريمة .