الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِۦٓ} (24)

قوله تعالى : " فلينظر الإنسان إلى طعامه " لما ذكر جل ثناؤه ابتداء خلق الإنسان ، ذكر ما يسر من رزقه ، أي فلينظر كيف خلق الله طعامه . وهذا النظر نظر القلب بالفكر ، أي ليتدبر كيف خلق الله طعامه الذي هو قوام حياته ، وكيف هيأ له أسباب المعاش ، ليستعد بها للمعاد . وروي عن الحسن ومجاهد قالا : " فلينظر الإنسان إلى طعامه " أي إلى مدخله ومخرجه . وروى ابن أبي خيثمة عن الضحاك بن سفيان الكلابي قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا ضحاك ما طعامك ) قلت : يا رسول الله ! اللحم واللبن ، قال : ( ثم يصير إلى ماذا ) قلت إلى ما قد علمته ، قال : ( فإن الله ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلا للدنيا ) . وقال أبي بن كعب : قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إن مطعم ابن آدم جعل مثلا للدنيا ، وإن قزحه{[15807]} وملحه فانظر إلى ما يصير ] . وقال أبو الوليد : سألت ابن عمر عن الرجل يدخل الخلاء فينظر ما يخرج منه ، قال : يأتيه الملك فيقول انظر ما بخلت به إلى ما صار ؟


[15807]:قزحه: أي تبله، من القزح، وهو التابل الذي يطرح في القدر، كالكمون والكزبرة ونحو ذلك. والمعنى: إن المطعم وإن تكلف الإنسان التنوق في صنعته وتطيبه فإنه عائد إلى حال يكره ويستقذر، فكذلك الدنيا المحروص على عمارتها ونظم أسبابها راجعة إلى خراب وإدبار" "النهاية".