قوله جلّ ذكره : { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا الخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا المِحْرَابَ } الآيات .
أرسل اللَّهُ إلى داود عليه السلام مَلَكَيْنِ من السماء على صورة رجلين فتحاكَمَا إليه تنبيهاً له على ما كان منه من تَزَوُّجِه بامرأة أوريا ، وكان تَرْكُ ذلك أَوْلَى -هذا على طريق مَنْ رأى تنزيهَ الأنبياءِ عليهم السلام من جميع الذنوب .
وأمَّا مَنْ جَوَّزَ عليهم الصغائر فقال : هذا من جملته . وكنَّى الخَصْمان باسم النعجة عن النساء .
وكان داود عليه السلام قال لله سبحانه وتعالى : إِنَّي لأَجِدُ في التوراة أنَّكَ أعطيتَ الأنبياءَ الرُّتَبَ فأَعْطِنِيها ، فقال : إِنهم صبروا فيما ابتَلَيْتُهم به ، فوعد داودُ من نَفْسِه الصبرَ إذا ابتلاه طمعاً في نَيْلِ الدرجات ، فأخبر اللَّهُ تعالى أنه يبتليه يومَ كذا ، فجعل داودُ ذلك اليوم يوم عبادة ، واختلى في بيته ، وأَمَرَ حُرَّاسَه ألا يؤذيَه أحدٌ بالدخول عليه ، وأغلق على نَفْسِه البابَ ، وأخذ يُصَلِّي زماناً ، ويقرأ التوراةَ زماناً يتعبَّد . أغلق على نفسه الباب ولكن لم يمكنه غَلْق بابِ السماء . وأَمَرَ حَرَسَه أن يدفعوا عنه الناسَ وكنوا ثلاثين ألف رجل - ويقال أربعة آلاف - ولكن لم يُمْكِنْهم أَنْ يدفعوا عنه حُكْمَ القضاء ، ولقد قال الحكماء : الهاربُ مما هو كائن في كَفِّ الطالبِ يتقلب .
وكانت في البيت كوَّةٌ يدخل منها الضوء ، فَدَخَلَ طيرٌ صغيرٌ من الذهب ، ووقع قريباً منه ، وكان لداود ابنٌ صغيرٌ فَهَمَّ أن يأخذَه ليدفعَه إلى ابنه ، فتباعَدَ عنه . وجاء في التفاسير : أنه كان إبليس ، قد تصوَّر له في صورة طير ، فَتَبِعَه داود ، ولم يزل الطائرُ يتباعد قليلاً قليلاً ، وداود يتبعه حتى خَرَجَ من الكوة ، وَنَظَر داود في إثره فَوَقَعَ بَصَرُه على امرأة أوريا وهي تغتسل متجردةً ، فعاد إلى قلبه منها شيء ، فكان هذا السبب .
ويقال لم يَرْعَ الاهتمامَ بسبب وَلَدِه حتى فعل به ما فعل ، وفي ذلك لأولي الأبصار عِبْرَةٌ . ويقال لم يكن أوريا قد تزوَّجَ بها بَعْدُ ، وقد كان خَطَبَها ، وأجابَتْه في التزوج به ، فَخَطَبَ داود على خِطْبَتِه . وقيل بل كانت امرأتَه وسأله أن ينزل عنها ، فَنَزَلَ على أمره وتزوجها . وقيل بل أرسل أوريا إلى قتال الأعداء فقُتِلَ وتزوَّج بها .
{ وَهَلْ ءاتِيكَ نَبَؤُا الخصم } استفهام يراد منه التعجب والتشويق إلى استماع ما في حيزه لإيذانه بأنه من الأنباء البديعة التي حقها أن تشيع فيما بين كل حاضر وبادي ، والجملة قيل عطف على { إِنَّا سَخَّرْنَا } [ ص : 18 ] من قبيل عطف القصة ، وقيل : على { اذكر } [ ص : 17 ] . والخصم في الأصل مصدر لخصمه بمعنى خاصمه أو غلبه ويراد منه المخاصم ويستعمل للمفرد والمذكر وفروعهما ؛ وجاء للجمع هنا على ما قال جمع لظاهر ضمائره بعد وربما ثنى وجمع على خصوم واخصام ، وأصل المخاصمة على ما قال الراغب أن يتعلق كل واحد بخصم الآخر أي بجانبه أو أن يجذب كل واحد خصم الجوالق من جانب .
{ إِذْ تَسَوَّرُواْ المحراب } أي علوا سوره ونزلوا إليه فتفعل للعلو على أصله نحو تسنم الجمل أي علا سنامه وتذري الجبل علا ذروته ، والسور الجدار المحيط المرتفع ، والمحراب الغرفة وهي العلية ومحراب المسجد مأخوذ منه لانفصاله عما عداه أو لشرفه المنزل منزلة علوه قاله الخفاجي ، وقال الراغب : محراب المسجد قيل : سمي بذلك لأنه موضع محاربة الشيطان والهوى ، وقيل : لكون حق الإنسان فيه أن يكون حريبا من أشغال الدنيا ومن توزع الخاطر ، وقيل : الأصل فيه أن محراب البيت صدر المجلس ثم لما اتخذت المساجد سمي صدره به ، وقيل : بل المحراب أصله في المجد وهو اسم خص به صدر المجلس فسمي صدر البيت محراباً تشبيهاً بمحراب المسجد وكأن هذا أصح انتهى ، وصرح الجلال السيوطي أن المحاريب التي في المساجد بهيئتها المعروفة اليوم لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وله رسالة في تحقيق ذلك ، وإذ متعلقة بمحذوف مضاف إلى الخصم أي نبأ تحاكم الخصم إذ تسوروا أو بنبأ على أن المراد به الواقع في عهد داود عليه السلام ، وإسناد الاتيان إليه على حذف مضاف أي قصة نبأ الخصم ، وجوز تعلقها به بلا حذف على جعل إسناد الاتيان إليه مجازياً أو بالخصم وهو في الأصل مصدر والظرف قنوع يكفيه رائحة اللفعل ، وزعم الحوفي تعلقها بأتى ولا يكاد يصح لأن اتيان نبأ الخصم لم يكن وقت تسورهم المحراب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.