الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞وَهَلۡ أَتَىٰكَ نَبَؤُاْ ٱلۡخَصۡمِ إِذۡ تَسَوَّرُواْ ٱلۡمِحۡرَابَ} (21)

قوله : { نَبَأُ الْخَصْمِ } : قد تقدَّم أنَّ الخَصْمَ في الأصل مصدرٌ فلذلك يَصْلُحُ للمفردِ والمذكرِ وضِدَّيْهِما ، وقد يطابِقُ . ومنه : { لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ } [ ص :22 ] و { هَذَانِ خَصْمَانِ } [ الحج :19 ] . والمرادُ بالخَصْمِ هنا جمعٌ بدليلِ قولِه : " إذ تَسَوَّرُوا " وقوله : " إذ دَخَلُوا " . قال الزَمخشريُّ : " وهو يقعُ للواحدِ والجمعِ كالضَّيْفِ . قال تعالى : { حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ } [ الذاريات : 24 ] لأنه مصدرٌ في أصله يُقال : خَصَمه يَخْصِمُه خَصْماً كما تقول : ضافه ضَيْفاً . فإنْ قلتَ : هذا جمعٌ وقولُه : " خصمان " تثنيةٌ فكيف استقَامَ ذلك ؟ قلت : معنى خصمان : فريقان خَصْمان ، والدليلُ عليه قراءةُ مَنْ قرأ " [ خَصْمَانِ ] بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " ونحوُه قوله تعالى : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ } . فإنْ قلتَ : فما تصنعُ بقولِه : { إِنَّ هَذَآ أَخِي } وهو دليلٌ على الاثنين ؟ قلت : هذا قولُ البعضِ المراد به : { بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ } . فإنْ قلت : فقد جاء في الرواية : أنه بُعِثَ إليه مَلَكان . قلت : معناه أن التحاكمَ بين مَلَكَيْن ، ولا يمنعُ ذلك أَنْ يَصْحَبَهما آخرون . فإن قلت : كيف سَمَّاهم جميعاً خَصْماً في قوله : " نَبَأ الخَصْمِ " و " خَصْمان " ؟ قلتُ : لَمَّا كان صَحِبَ كلَّ واحدٍ من المتحاكميْن في صورةِ الخَصْمِ صَحَّت التسميةُ به " .

قوله : " إذ تَسَوَّروا " في العامل في " إذ " أوجهٌ ، أحدها : أنه معمولٌ للنبأ إذا لم يُرِدْ به القصة . وإليه ذهبَ ابنُ عطيةَ وأبو البقاء ومكي . أي : هل أتاك الخبرُ الواقعُ في وقتِ تَسَوُّرِهم المحرابَ ؟ وقد رَدَّ بعضُهم هذا : بأنَّ النبأ الواقعَ في ذلك الوقتِ لا يَصِحُّ إتيانُه رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وإنْ أريد بالنبأ القصةُ لم يكن ناصباً . قاله الشيخ . الثاني : أنَّ العاملَ فيه " أتاك " ورُدَّ بما رُدَّ به الأولُ . وقد صَرَّحَ الزمخشريُّ بالردِّ على هذين الوجهين ، فقال : " فإنْ قلتَ بم انتصبَ " إذ " ؟ قلت : لا يَخْلوا إمَّا أَنْ ينتصِبَ ب " أتاك " أو بالنبأ أو بمحذوفٍ . فلا يَسُوغ انتصابُه ب " أتاك " لأنَّ إتْيانَ النبأ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لا يقعُ إلاَّ في عهدِه لا في عهدِ دوادَ ، ولا بالنبأ ؛ لأنَّ النبأ واقِعٌ في عهدِ داودَ فلا يَصِحُّ إتيانُه رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم . وإن أَرَدْتَ بالنبأ القصةَ في نفسِها لم يكنْ ناصباً ، فبقي أَنْ يكونَ منصوباً بمحذوف ، وتقديره : وهل أتاك نبأُ تحاكُمِ الخَصْمِ إذ ، فاختار أن يكونَ معمولاً لمحذوفٍ . الرابع : أَنْ ينتصِبَ بالخصْم لِما فيه من معنى الفعلِ .