الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{۞وَهَلۡ أَتَىٰكَ نَبَؤُاْ ٱلۡخَصۡمِ إِذۡ تَسَوَّرُواْ ٱلۡمِحۡرَابَ} (21)

فيه أربع وعشرون مسألة :

الأولى- قوله تعالى : " وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب " " الخصم " يقع على الواحد والاثنين والجماعة ؛ لأن أصله المصدر . قال الشاعر :

وخَصْمٌ غِضَابٌ ينفُضُون لحاهُمُ *** كنفضِ البَرَاذِينِ العِرابِ المَخَالِيَا

النحاس : ولا خلاف بين أهل التفسير أنه يراد به ها هنا ملكان . وقيل : " تسوروا " وإن كان اثنين حملا على الخصم ، إذ كان بلفظ الجمع ومضارعا له ، مثل الركب والصحب . تقديره للاثنين ذوا خصم وللجماعة ذوو خصم . ومعنى : " تسوروا المحراب " أتوه من أعلى سوره . يقال : تسور الحائط تسلقه ، والسور حائط المدينة وهو بغير همز ، وكذلك السور جمع سورة مثل بسرة وبسر وهي كل منزلة من البناء . ومنه سورة القرآن ؛ لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى . وقد مضى في مقدمة الكتاب بيان هذا . وقول النابغة :

ألم تر أن الله أعطاك سُورَةً *** تَرَى كلَّ مَلْكٍ دونَهَا يتذَبْذَبُ

يريد شرفا ومنزلة . فأما السؤر بالهمز فهو بقية الطعام في الإناء . ابن العربي : والسؤر الوليمة بالفارسي . وفي الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب : ( إن جابرا قد صنع لكم سؤرا فحيهلا بكم ) . والمحراب هنا الغرفة ؛ لأنهم تسوروا عليه فيها . قاله يحيى بن سلام . وقال أبو عبيدة : إنه صدر المجلس ، ومنه محراب المسجد . وقد مضى القول فيه في غير موضع .