البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞وَهَلۡ أَتَىٰكَ نَبَؤُاْ ٱلۡخَصۡمِ إِذۡ تَسَوَّرُواْ ٱلۡمِحۡرَابَ} (21)

تسور الحائط والسور وتسنمه والبعير : علا أعلاه .

والسور : حائط المدينة ، وهو غير مهموز .

{ وهل أتاك نبؤ الخصم } : لما أنثى تعالى على داود عليه السلام بما أثنى ، ذكر قصته هذه ، ليعلم أن مثل قصته لا يقدح في الثناء عليه والتعظيم لقدره ، وإن تضمنت استغفاره ربه ، وليس في الاستغفار ما يشعر بارتكاب أمر يستغفر منه ، وما زال الاستغفار شعار الأنبياء المشهود لهم بالعصمة .

ومجيء مثل هذا الاستفهام إنما يكون لغرابة ما يجيء معه من القصص ، كقوله : { وهل أتاك حديث موسى } فيتهيأ المخاطب بهذا الإستفهام لما يأتي بعده ويصغي لذلك .

وذكر المفسرون في هذه القصة أشياء لا تناسب مناصب الأنبياء ، ضربنا عن ذكرها صفحاً ، وتكلمنا على ألفاظ الآية .

والنبأ : الخبر ، فالخبر أصله مصدر ، فلذلك تصلح للمفرد والمذكر وفروعهما ، وهنا جاء للجمع ، ولذلك قال : { إذ تسورو } : إذ دخلوا ، كما قال الشاعر :

وخصم يعدون الدخول كأنهم *** قروم غيارى كل أزهر مصعب

والظاهر أنهم كانوا جماعة ، فلذلك أتى بضمير الجمع .

فإن كان المتحاكمان اثنين ، فيكون قد جاء معهم غيرهم على جهة المعاضدة أو المؤانسة ، ولا خلاف أنهم كانوا ملائكة ، كذا قال بعضهم .

وقيل : كانا أخوين من بني إسرائيل لأب وأم ، والأول أشهر .

وقيل : الخصم هنا اثنان ، وتجوز في العبارة فأخبر عنهما أخبار ما زاد على اثنين ، لأن معنى الجمع في التثنية .

وقيل : معنى خصمان : فريقان ، فيكون تسوروا ودخلوا عائداً على الخصم الذي هو جمع الفريقين ، ويدل على أن خصمان بمعنى فريقان قراءة من قرأ : بغى بعضهم على بعض .

وقال تعالى : { هذا خصمان اختصموا في ربهم } بمعنى : فأما إن هذا أخي .

وما روي أنه بعث إليه ملكان ، فالمعنى : أن التحاكم كان بين اثنين ، ولا يمتنع أن يصحبهما غيرهما .

وأطلق على الجميع خصم ، وعلى الفريقين خصمان ، لأن من جاء مع متخاصم لمعاضدة فهو في سورة خصم ، ولا يبعد أن تطلق عليه التسمية ، والعامل في الظرف ، وهو إذ أتاك ، قاله الحوفي ورد بأن إتيان النبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقع إلا في عهده ، لا في عهد داود .

وقال ابن عطية ، وأبو البقاء : العامل فيه نبأ ورد بما رد به ما قبله أن النبأ الواقع في عهد داود عليه السلام لا يصح إتيانه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وإذا أردت بالنبأ القصة في نفسها ، لم يكن ناصباً .

وقيل : العامل فيه محذوف تقديره : وهل أتاك تخاصم الخصم ؟ قاله الزمخشري .

ويجوز أن ينتصب بالخصم ، لما فيه من معنى الفعل .

وإذ دخلوا بدل من إذ الأولى ؛ وقيل : ينتصب بتسوروا .