لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرۡتُم بِهِۦ مَنۡ أَضَلُّ مِمَّنۡ هُوَ فِي شِقَاقِۭ بَعِيدٖ} (52)

قوله جل ذكره : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ } .

{ سَنُرِيهِمْ } : السن للاستقبال ؛ أي سيُظهر لهم من الآيات ، ومن الأحداث التي تجري في أحوال العالمَ ، وما سيحِلُّ بهم من اختلاف الأمور ما يتبيَّن لهم من خلاله أنَّ هذا الدَّين حقٌّ ، وأنَّ هذا الكتابَ حقٌّ ، وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - حقٌّ ، وأن المُجْرِيَ لهذه الآياتِ والأحداثِ والأمورِ والمنشئ له هو الحقُّ - سبحانه .

ومن تلك الآيات ما كان من قَهْرِ الكفار ، وعُلُوِّ الإسلام ، وتلاشي أعداء الدين .

ويقال من تلك الآيات في الأفاق اختلافُ أحكام الأعين مع اتفاق جواهرها في التجانس . . وهذه آيات حدوثِ العالَم ، واقتضاء المُحدَثِ لصفاته .

{ وَفِي أَنفُسِهِمْ } : من أمارات الحدوثِ واختلافِ الأوصاف ما يمكنهم إدراكه .

ويقال : { فِي الأَفَاقِ } للعلماء ، { وَفِي أَنفُسِهِمْ } لأهل المعرفة مما يجدونه من العقاب إذا أَلَمُّوا بذَنْبِ ، ومن الثواب إذا أخلصوا في طاعة .

وكذلك ما يحصل لهم من اختلاف الأحوال من قبضٍ وبسط ، وجمع وفَرْقٍ ، وحجبٍ وجذبٍ . . . وما يجدونه بالضرورة في معاملاتهم ومنازلاتهم .

{ أَوَلَمْ يَكْفِ بِربِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شهِيدٌ } : هو الكافي ، ولكنهم - أي الكفار - في مِرْيةٍ من لقاء ربهم في القيامة . والإشارة فيه : أن العوامَّ لَفي شكٍ من تجويز ما يُكَاشَفُ به أهلُ الحضورِ من تعريفات السرِّ .

{ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطُ } : عالِمٌ لا يَخْفَى عليه شيءٌ .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرۡتُم بِهِۦ مَنۡ أَضَلُّ مِمَّنۡ هُوَ فِي شِقَاقِۭ بَعِيدٖ} (52)

قوله تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ( 52 ) سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( 53 ) أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ } .

أي قل لهؤلاء المكذبين الخاسرين يا محمد : أرأيتم إن كان هذا القرآن حقا وأنه من عند الله ثم كفرتم به ، أَفَلَسْتم حينئذ مجانبين للحق ، ومبتعدين عن الصواب ؟

وكيف ترون حالكم وأنتم مبطلون ظالمون ؟ .

قوله : { مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } أي إذا كانت هذه حقيقة حالكم من المعاندة والغرور والاستكبار عن اليقين فمن إذن أشد ذهابا عن سواء السبيل ، وأعظم بعدا من الطريق الحق المستقيم ؟ أو من هو أشدّ مفارقة لعقيدة التوحيد وأعظم مخالفة لمنهج الله الحكيم ، وبعيدا من الرشاد والسداد ؟ إنه ليس من أحد أضل منكم . وذلك لفرط شقاقكم وعنادكم وتفريطكم فيما أنزل إليكم من الحق الساطع المستبين .