تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرۡتُم بِهِۦ مَنۡ أَضَلُّ مِمَّنۡ هُوَ فِي شِقَاقِۭ بَعِيدٖ} (52)

الآية 52 وقوله تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } يقول : إن كان هذا القرآن من عند الله ، ثم كفرتم به .

وجائز أن يكون على الابتداء ليس بجواب لقوله : { أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } ويكون كأن لم يُذكر جواب { أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } لما عرفوا أن من عاند ، وعادى ما كان من الله : ما{[18624]} يُعمل بهم ؟ وما يُصنع ؟ وهو كقوله تعالى : { أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ } { فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الصافات : 86 و87 ] لم يذكر له جواب لما عرفوا أن من عبدوا دون الله بعد معرفتهم أنه إفك ، وأنه كذب ، وليس بإله : ماذا{[18625]} يُفعَل بهم . فلم يذكر لهذا جواب لمعرفتهم ما يُفعل بهم .

فعلى ذلك قوله : { قل أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } يجوز إن لم يُذكر جواب لما عرفوا أنه ما يُفعل بهم ؟ وما يستوجبون منه بما عاندوه ، وعادوه ، بعد معرفتهم أنه من عند الله جاء ، ثم كفروا به ، والله أعلم : { قل أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } فإذا كفرتم به ضللتم ، فمن { أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } ؟ أي في خلاف .

وبعد فيكون جوابه كأنه قال : لا أحد أضل ممن عرف أنه من عند الله ، ثم خالفه ، وتباعد عنه على ما ذكرنا في قوله : { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا } [ الأنعام : 21 ] أي لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا . فعلى ذلك الأول ، والله أعلم .


[18624]:أدرج قبلها في الأصل وم: إنه.
[18625]:أدرج قبلها في الأصل وم: أن الله.