لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا} (7)

قوله جلّ ذكره : { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا } .

إذا اتسع رزقُ العبد فعلى قَدْرِ المُكنَةِ يُطَالَبُ بالإعطاء والنفقة فمن قدر عليه رزقه - أي ضيِّق - فلينفق مما آتاه الله أي من متاع البيت ، ومن رأسِ المال - إن لم يكن من الربح ، ومن ثمنِ الضيعة - إن لم يكن من الغَلَّة .

ومَنْ ملك ما يكفيه للوقت ، ثم اهتمَّ بالزيادة للغد فذلك اهتمامٌ غيرُ مرضيٍّ عنه ، وصاحبُه غير مُعَان . فأمَّا إذا حصل العجزُ بكلِّ وجهٍ ، فإن الله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا } وسيجعل الله بعد عسرٍ يسراً . هذا من أصحاب المواعيد - وتصديقه على حسب الإيمان ، وذلك على قَدْرِ اليقين- ويقينه على حسب القِسْمة . وانتظارُ اليُسْرِ من اللَّهِ صفةً المتوسطين في الأحوال ، الذين انحطُّوا عن حدِّ الرضا واستواءِ وجودِ السبب وفَقْدِه ، وارتقوا عن حدِّ اليأس والقنوط ، وعاشوا في أفياء الرجال يُعَلِّلون بحُسْنِ المواعيد . . . وأبداً هذه حالتهم وهي كما قلنا :

إنْ نَابَكَ الدهرُ بمكروهه *** فعِشْ بتهوين تصانيفه

فَعنْ قريبٍ ينجلي غَيْمُه *** وتنقضي كلُّ تصاريفه

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا} (7)

ومن قُدر عليه رزقُه : ومن كان رزقه قليلا ، يعني فقير الحال .

فلْيُنفِقْ مما آتاه الله : ينفق بقدر ما عنده .

ثم بين الله تعالى مقدار الإنفاق وكيفيته بحسب طاقة كل أب فقال :

{ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ الله } .

هذا هو مبدأ الإسلام العظيم : اليسر والتعاون والعدل . . على كل إنسان أن ينفق بقدر طاقته وحسب مقدرته ، فمن وسّع الله عليه الرزق فلينفقْ عن سعة في السكن والنفقة وأجر الرضاع ، ومن كان رزقه ضيقا فلا حرج عليه ، فلينفق بقدر ما يستطيع .

هذه هي القاعدة الذهبية في المجتمع الإسلامي العظيم . وكما جاء في قوله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [ البقرة : 286 ] آخر سورة البقرة .

ثم جاء في تعبير لطيف بين فيه أن الأرزاق تتحول من عسر إلى يسر ، وأن اليسر دائماً مأمول فلا تخافوا ولا تضيِّقوا على أنفسكم فقال :

{ سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } .

إن الله تعالى سيجعل من بعد الشدة رخاء ، ومن بعد الضيق فرجا ، فكونوا دائما مؤملين للخير ، فالدنيا لا تدوم على حال . { فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً } [ الشرح : 5-6 ] ولن يغلب عسر يسرَين . وإنها لبشارة للناس ، ولمسة فرج ، وإفساح رجاء للمطلِّق والمطلقة وللناس جميعا .