في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَوَالِدٖ وَمَا وَلَدَ} (3)

ولعل هذا المعنى يرشح لاعتبار : ( ووالد وما ولد ) . . إشارة خاصة إلى إبراهيم ، أو إلى إسماعيل - عليهما السلام - وإضافة هذا إلى القسم بالبلد والنبي المقيم به ، وبانيه الأول وما ولد . . وإن كان هذا الاعتبار لا ينفي أن يكون المقصود هو : والد وما ولد إطلاقا . وأن تكون هذه إشارة إلى طبيعة النشأة الإنسانية ، واعتمادها على التوالد . تمهيدا للحديث عن حقيقة الإنسان التي هي مادة السورة الأساسية .

وللأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده في هذا الموضع من تفسيره للسورة في " جزء عم " لفتة لطيفة تتسق في روحها مع روح هذه " الظلال " فنستعيرها منه هنا . . قال رحمه الله :

" ثم أقسم بوالد وما ولد ، ليلفت نظرنا إلى رفعة قدر هذا الطور من أطوار الوجود - وهو طور التوالد - وإلى ما فيه من بالغ الحكمة وإتقان الصنع ، وإلى ما يعانيه الوالد والمولود في إبداء النشء وتكميل الناشئ ، وإبلاغه حده من النمو المقدر له .

" فإذا تصورت في النبات كم تعاني البذرة في أطوار النمو : من مقاومة فواعل الجو ، ومحاولة امتصاص الغذاء مما حولها من العناصر ، إلى أن تستقيم شجرة ذات فروع وأغصان ، وتستعد إلى أن تلد بذرة أو بذورا أخرى تعمل عملها ، وتزين الوجود بجمال منظرها - إذا أحضرت ذلك في ذهنك ، والتفت إلى ما فوق النبات من الحيوان والإنسان ، حضر لك من أمر الوالد والمولود فيهما ما هو أعظم ، ووجدت من المكابدة والعناء الذي يلاقيه كل منهما في سبيل حفظ الأنواع ، واستبقاء جمال الكون بصورها ما هو أشد وأجسم " . . انتهى . .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَوَالِدٖ وَمَا وَلَدَ} (3)

{ وَوَالِدٍ } عطف على { هذا البلد } [ البلد : 1 ] المقسم به وكذا قوله تعالى : { وَمَا وَلَدَ } والمراد بالأول آدم عليه السلام وبالثاني جميع ولده على ما أخرج الحاكم وصححه من طريق مجاهد عن ابن عباس ورواه جماعة أيضاً عن مجاهد وقتادة وابن جبير وقيل المراد آدم عليه السلام والصالحون من ذريته وقيل نوح عليه السلام وذريته وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عمران أنهما إبراهيم عليه السلام وجميع ولده وقيل إبراهيم عليه السلام وولده إسماعيل عليه السلام والنبي صلى الله عليه وسلم ادعى أنه ينبىء عن ذلك المعطوف عليه فإنه حرم ابراهيم ومنشأ اسماعيل ومسقط رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم أجمعين وقال الطبري والماوردي يحتمل أن يكون الوالد النبي صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكره وما ولد أمته لقوله عليه الصلاة والسلام «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد » ولقراءة عبد الله { وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم } [ الأحزاب : 6 ] وفي القسم بذلك مبالغة في شرفه عليه الصلاة والسلام وهو كما ترى وقيل المراد كل والد وولده من العقلاء وغيرهم ونسب ذلك لابن عباس وأخرج ابن أبي حاتم وغيره من طريق عكرمة عنه أنه قال { الصمد لَمْ يَلِدْ } وما ولد العاقر الذي لا يلد من الرجال والنساء ونسب إلى ابن جبير أيضاً فما عليه نافية فيحتاج إلى تقدير موصول يصح به المعنى الذي أريد كأنه قيل ووالد والذي ما ورد وإضمار الموصول في مثله لا يجوز عند البصريين ومع هذا هو خلاف الظاهر ولعل ظاهر اللفظ عدم التعيين في المعطوفين وظاهر العطف على هذا البلد إرادة من له دخل فيه وشهرة بنسبة البلد إليه والمشهور في ذلك ابراهيم واسماعيل عليهما السلام وتنكير والد على ما اختاره غير واحد للتعظيم وإيثار ما على من بناء على أن المراد بما ولد العاقل لإرادة الوصف فتفيد التعظيم في مقام المدح وأنه مما لا يكتنه كنهه لشدة إبهامها ولذا أفادت التعجب أو التعجيب وإن لم تكن استفهامية كما في قوله تعالى : { والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } [ آل عمران : 36 ] أي أي مولود عظيم الشأن وضعته والتعظيم والتعجيب على تقدير أن يراد بما ولد ذرية آدم عليه السلام مثلاً قيل باعتبار التغليب وقيل باعتبار الكثرة وما خص به الإنسان من خواص البشر كالعقل وحسن الصورة ومن تأمل في شؤون الإنسان من حيث هو إنسان يعلم أنه من تلك الحيثية معظم يتعجب منه .