اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَوَالِدٖ وَمَا وَلَدَ} (3)

قوله : { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } .

قيل «ما » بمعنى : «من » ، أو بمعنى : «الذي » .

وقيل : مصدرية أقسم بالشخص وفعله .

وقال الزمخشريُّ{[60204]} : فإن قلت : هلا قيل : ومَنْ ولد ؟

قلت : فيه ما في قوله : { والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } [ آل عمران : 36 ] ، أي : بأي شيء وضعت ، يعني : موضوعاً عجيب الشأن .

وقيل : «ما » : فيحتاج إلى إضمار موصول به يصح الكلام ، تقديره : والذي ما ولد ، إذ المراد بالوالد ، الذي يولد له ، «ومَا وَلَد » يعني : العَاقِر الذي لا يُولدُ له ، قال معناه ابنُ عبَّاسٍ ، وتلميذه ابنُ جبيرٍ وعكرمةُ{[60205]} .

فصل في الكلام على الآية

هذا معطوف على قوله : { لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد } ، وقوله تعالى : { وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد } معترض بين المعطوف والمعطوف عليه .

قال ابنُ عباسٍ ومجاهد وقتادةُ والضحاكُ والحسنُ وأبو صالحٍ والطبريُّ : المراد بالوالد : آدم عليه الصلاة والسلام ، «ومَا وَلَد » أي : وما نسل من ولده ، أقسم بهم ؛ لأنهم أعجب ما خلق تعالى على وجه الأرض ، لما فيهم من البنيان ، والنُّطق ، والتدبير ، وإخراج العلوم ، وفيهم الأنبياء ، والدُّعاة إلى الله تعالى ، والأنصار لدينه ، وأمر الملائكة بالسُّجود لآدم - عليه السلام - وعلمه الأسماء كلَّها ، وقد قال تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ }{[60206]} [ الإسراء : 70 ] .

وقيل : هو إقسام بآدم ، والصالحين من ذريته ، وأما الطالحون ، فكأنهم بهائم ، كما قال تعالى : { إِنْ هُمْ إِلاَّ كالأنعام } [ الفرقان : 44 ] ، وقوله : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [ البقرة : 18 ] .

وقيل : الوالد : إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - { وَمَا وَلَدَ } [ ذريته .

وقيل : الوالد إبراهيم وإسماعيل ، وما ولد محمد صلى الله عليه وسلم لأنه أقسم بمكة وإبراهيم ]{[60207]} .

قال الفراء : وصلح «ما » للناس ، كقوله : { مَا طَابَ لَكُمْ } [ النساء : 3 ] ، وقوله تعالى : { وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى } [ الليل : 3 ] ، وهو خالق الذكر والأنثى .

قال الماورديُّ : ويحتمل أن الوالد : النبي صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكره ، «ومَا وَلَد » : أمته : لقوله عليه الصلاة والسلام ، «إنَّما أنَا بِمنزْلَةِ الوَالِدِ أعَلِّمكُمْ »{[60208]} ، فأقسم به وبأمته ، بعد أن أقسم ببلده ، مبالغة في تشريفه عليه الصلاة والسلام .


[60204]:ينظر: الكشاف 4/754.
[60205]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/586) عن عكرمة وابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/893) وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[60206]:أخرجه الطبري (12/586-587) عن مجاهد وقتادة وأبي صالح والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/593) عن مجاهد وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. وذكره عن سعيد بن جبير وعزاه إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد.
[60207]:سقط من ب.
[60208]:أخرجه أبو داود (1/3) كتاب الطهارة: باب كراهية استقبال القبلة حديث (8) وابن ماجة (1/114) كتاب الطهارة: باب الاستنجاء بالحجارة حديث (313) والنسائي (1/37) كتاب الطهارة: باب الاستطابة بالروث.