في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَسِرُّواْ قَوۡلَكُمۡ أَوِ ٱجۡهَرُواْ بِهِۦٓۖ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (13)

وهذه الآية السابقة تربط ما قبلها في السياق بما بعدها ، في تقرير علم الله بالسر والجهر ، وهو يتحدى البشر . وهو الذي خلق نفوسهم ، ويعلم مداخلها ومكامنها ، التي أودعها إياها :

وأسروا قولكم أو اجهروا به ، أنه عليم بذات الصدور . ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ? .

أسروا أو اجهروا فهو مكشوف لعلم الله سواء . وهو يعلم ما هو أخفى من الجهر والسر . ( إنه عليم بذات الصدور )التي لم تفارق الصدور ! عليم بها ، فهو الذي خلقها في الصدور ، كما خلق الصدور !

/خ14

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَسِرُّواْ قَوۡلَكُمۡ أَوِ ٱجۡهَرُواْ بِهِۦٓۖ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (13)

وقوله تعالى : { وأسروا قولكم أو اجهروا به } مخاطبة لجميع الخلق .

قال ابن عباس : سببها أن المشركين قال بعضهم لبعض : أسروا قولكم لا يسمعكم إله محمد ، فالمعنى : أن الأمر سواء عند الله ، لأنه يعلم ماهجس في الصدور دون أن ينطق به ، فكيف إذا ينطق به سراً أو جهراً ، و { ذات الصدور } ، ما فيها ، وهذا كما قال : الذئب مغبوط بذي بطنه{[11215]} ، وقد تقدم تفسيره غير ما مرة .


[11215]:هذا مثل يقال في الذئب لأنه ليس يظن به الجوع، بل تظن به البطنة لكثرة عدوانه على الناس والماشية، ويروى: الذئب يغبط بغير بطنة، وذو بطنه، قال الشاعر: ومن يسكن البحرين يعظم طحاله ويغبط ما في بطنه وهو جائع وقيل: إنما قيل هذا في الذئب لأنه عظيم الجفرة أبدا لا يبين عليه الضمور وإن أجهده الجوع.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَسِرُّواْ قَوۡلَكُمۡ أَوِ ٱجۡهَرُواْ بِهِۦٓۖ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (13)

عطف على الجمل السابقة عطف غرض على غرض ، وهو انتقال إلى غرض آخر لِمناسبة حكاية أقوالهم في الآخرة بذكر أقوالهم في الدنيا وهي الأقوال التي كانت تصدر منهم بالنيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان الله يطلعه على أقوالهم فيخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنكم قلتم كذا وكذا ، فقال بعضهم لبعض : أسروا قولكم كيلا يسمعه رب محمد فأنزل الله { وأسروا قولكم أو اجهروا به } كذا روي عن ابن عباس .

وصيغة الأمر في { وأسروا } و { اجهروا } مستعملة في التسوية كقوله تعالى : { فاصبروا أو لا تصبروا } [ الطور : 16 ] ، وهذا غالب أحوال صيغة افعل إذا جاءت معها { أو } عاطفة نقيض أحد الفعلين على نقيضه .

فقوله : { إنه عليم بذات الصدور } تعليل للتسوية المستفادة من صيغة الأمر بقرينة المقام وسبب النزول ، أي فسواء في علم الله الإِسرار والإِجهار لأن علمه محيط بما يختلج في صدور الناس بَلْهَ ما يسرون به من الكلام ، ولذلك جيء بوصف عليم إذ العليم من أمثلة المبالغة وهو القويّ علمُه .

وضمير { إنه } عائد إلى الله تعالى المعلوم من المقام ، ولا معاد في الكلام يعود إليه الضمير ، لأن الاسم الذي في جملة { إن الذين يخشون ربهم بالغيب } [ الملك : 12 ] لا يكون معاداً لكلام آخر .

و ( ذات الصدور ) مَا يتردد في النفس من الخواطر والتقادير والنوايا على الأعمال . وهو مركب من ( ذات ) التي هي مؤنث ( ذُو ) بمعنى صاحب ، و { الصدور } بمعنى العقول وشأن ( ذُو ) أن يضاف إلى ما فيه رفعة .