في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَرۡجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ} (6)

هذا المطلع جاء في صيغة القسم ، على أمر تصوره الآيات التالية في السورة :

يوم ترجف الراجفة . تتبعها الرادفة . قلوب يومئذ واجفة . أبصارها خاشعة . يقولون : أإنا لمردودون في الحافرة ? أإذا كنا عظاما نخرة ? قالوا : تلك إذن كرة خاسرة ! . . فإنما هي زجرة واحدة . فإذا هم بالساهرة . .

والراجفة ورد أنها الأرض استنادا إلى قوله تعالى في سورة أخرى : ( يوم ترجف الأرض والجبال ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَرۡجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ} (6)

وقال ابن زيد : { الراجفة } : الأرض تهتز بأهلها لنفخة الصور الأولى ، وقيل : { الراجفة } : النفخة نفسها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَرۡجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ} (6)

وجملة { يوم ترجف الراجفة } إلى { خاشعة } جوابُ القسم وصريحُ الكلام موعظة . والمقصود منه لازمه وهو وقوع البعث لأن القلوب لا تكون إلا في أجسام . وقد علم أن المراد ب { يوم ترجف الراجفة } هو يوم القيامة لأنه قد عُرِّف بمثل هذه الأحوال في آيات كثيرة مما سبق نزوله مثل قوله : { إذا رجت الأرض } فكان في هذا الجواب تهويل ليوم البعث وفي طيه تحقيق وقوعه فحصل إيجاز في الكلام جامع بين الإِنذار بوقوعه والتحذير مما يجري فيه .

و { يوم ترجف الراجفة } ظرف متعلق ب { واجفة } فآل إلى أن المقسم عليه المراد تحقيقه هو وقوع البعث بأسلوب أوقع في نفوس السامعين المنكرين من أسلوب التصريح بجواب القسم ، إذ دل على المقسم عليه بعض أحواله التي هي من أهواله فكان في جواب القسم إنذار .

ولم تقرن جملة الجواب بلام جواب القسم لبعد ما بين الجواب وبين القسم بطول جملة القسم ، فيظهر لي من استعمال البلغاء أنه إذا بعد ما بين القسم وبين الجواب لا يأتون بلام القسم في الجواب ، ومن ذلك قوله تعالى : { والسماء ذات البروج } إلى { قتل أصحاب الأخدود } [ البروج : 1 4 ] . ومثله كثير في القرآن فلا يؤتى بلام القسم في جوابه إلا إذا كان الجواب موالياً لجملة القسم نحو { وتالله لأكيدن أصنامكم } [ الأنبياء : 57 ] { فوربك لنسألنهم أجمعين } [ الحجر : 92 ] ، ولأن جواب القسم إذا كان جملة اسمية لم يكثر اقترانه بلام الجواب ولم أر التصريح بجوازه ولا بمنعه ، وإن كان صاحب « المغني » استظهر في مبحث لام الجواب في قوله تعالى : { ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند اللَّه خير } [ البقرة : 103 ] أن اللام لام جواب قسم محذوف وليست لام جواب ( لو ) بدليل كون الجملة اسمية ، والاسمية قليلة من جواب ( لو ) فلم يرَ جملة الجواب إذا كانت اسمية أن تقترن باللام . وجعل صاحب « الكشاف » تبعاً للفراء وغيره جواب القسم محذوفاً تقديره : لتُبعثُنَّ .

وقُدم الظرف على متعلقة لأن ذلك الظرف هو الأهمّ في جواب القَسَم لأنه المقصود إثبات وقوعه ، فتقديم الظرف للاهتمام به والعناية به فإنه لما أكد الكلام بالقسم شمل التأكيدُ متعلقات الخبر التي منها ذلك الظرف ، والتأكيد اهتمام ، ثم أكد ذلك الظرف في الأثناء بقوله : { يومئذ } الذي هو يوم ترجف الراجفة فحصلت عناية عظيمة بهذا الخبر .

والرجف : الاضطراب والاهتزاز وفعله من باب نصَر . وظاهر كلام أهل اللغة أنه فعل قاصر ولم أر من قال : إنه يستعمل متعدياً ، فلذلك يجوز أن يكون إسناد { ترجف } إلى { الراجفة } حقيقياً ، فالمراد ب { الراجفة } : الأرض لأنها تضطّرب وتهتزّ بالزلازل التي تحصل عند فناء العالم الدنيوي والمصير إلى العالم الأخروي قال تعالى : { يوم ترجف الأرض والجبال } [ المزمل : 14 ] وقال : { إذا رجت الأرض رجاً } [ الواقعة : 4 ] وتأنيث { الراجفة } لأنها الأرض ، وحينئذ فمعنى { تتبعها الرادفة } أن رجفة أخرى تتبع الرجفة السابقة لأن صفة { الراجفة } تقتضي وقوع رجفة ، فالرادفة رجفة ثانية تتبع الرجفة الأولى .

ويجوز أن يكون إسناد { ترجف } إلى { الراجفة } مجازاً عقلياً ، أطلق { الراجفة } على سبب الرجف .

فالمراد ب { الراجفة } الصيحة والزلزلة التي ترجف الأرض بسببها جعلت هي الراجفة مبالغة كقولهم : عيشة راضية ، وهذا هو المناسب لقوله : { تتبعها الرادفة } أي تتبع تلك الراجفة ، أي مسبّبة الرجف رادفة ، أي واقعة بعدها .

ويجوز أن يكون الرجف مستعاراً لشدة الصوت فشبه الصوت الشديد بالرجف وهو التزلزل .

وتأنيث { الراجفة } على هذا لتأويلها بالواقعة أو الحادثة .