لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{يَوۡمَ تَرۡجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ} (6)

قوله عز وجل : { والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً والسابحات سبحاً فالسابقات سبقاً } اختلفت عبارات المفسرين في هذه الكلمات هل هي صفات لشيء واحد أو لأشياء مختلفة على أوجه واتفقوا على أن المراد بقوله { فالمدبرات أمراً } وصف لشيء واحد وهم الملائكة :

الوجه الأول : في قوله تعالى : { والنازعات غرقاً } يعني الملائكة تنزع أرواح الكفار من أقاصي أجسامهم . كما يغرق النازع في القوس فيبلغ بها غاية المد ، والغرق من الإغراق أي ، والنازعات إغراقاً وقال ابن مسعود : " إن ملك الموت ، وأعوانه ينزعون روح الكافر كما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل ، فتخرج نفس الكافر كالغريق في الماء " { والناشطات نشطاً } الملائكة تنشط نفس المؤمن أي تسلها سلاًّ رفيقاً فتقبضها كما ينشط العقال من يد البعير ، وإنما خص النزع بنفس الكافر والنشط بنفس المؤمن ، لأن بينهما فرقاً فالنزع جذب بشدة والنشط جذب برفق ، { والسابحات سبحاً }[ النازعات : 3 ] يعني الملائكة يقبضون أرواح المؤمنين يسلونها سلاً رفيقاً ، ثم يدعونها حتى تستريح ، ثم يستخرجونها كالسابح في الماء يتحرك فيه برفق ولطافة ، وقيل هم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين كالفرس الجواد إذا أسرع في

جريه . يقال له سابح { فالسابقات سبقاً } [ النازعات : 4 ] يعني الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح ، وقيل هم الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة .

الوجه الثاني : في قوله { والنازعات غرقاً } يعني النفس حين تنزع من الجسد ، فتغرق في الصدر ثم تخرج { والناشطات نشطاً } ، قال ابن عباس : هي نفوس المؤمنين تنشط للخروج عند الموت لما ترى من الكرامة ، وذلك لأنه يعرض عليه مقعده في الجنة قبل أن يموت وقال علي بن أبي طالب : هي أرواح الكفار تنشط بين الجلد ، والأظفار حتى تخرج من أفواههم بالكرب والغم .

{ والسابحات سبحاً } يعني أرواح المؤمنين حين تسبح في الملكوت { فالسابقات سبقاً } يعني استباقها إلى الحضرة المقدسة .

الوجه الثالث : في قوله تعالى :{ والنّازعات غرقاً }[ النازعات : 1 ] يعني النجوم تنزع من أفق إلى أفق تطلع ثم تغيب{ والناشطات نشطاً }[ النازعات : 2 ] ، يعني النجوم تنشط من أفق إلى أفق ، أي تذهب { والسابحات سبحاً } ، يعني النجوم والشمس والقمر يسبحون في الفلك . { فالسابقات سبقاً } يعني النجوم يسبق بعضها بعضاً في السير .

الوجه الرابع : في قوله تعالى{ والنّازعات غرقاً }[ النازعات : 1 ] . يعني خيل الغزاة تنزع في أعنتها وتغرق في عرقها وهي الناشطات نشطاً لأنها تخرج بسرعة إلى ميدانها ، وهي السابحات في جريها ، وهي السابقات سبقاً لاستباقها إلى الغاية .

الوجه الخامس : في قوله{ والنازعات غرقاً }[ النازعات : 1 ] يعني الغزاة حين تنزع قسيها في الرمي فتبلغ غاية المد وهو قوله غرقاً ، { والناشطات نشطاً }[ النازعات : 2 ] ، أي السّهام في الرمي { والسّابحات سبحاً ، فالسّابقات سبقاً } يعني الخيل والإبل حين يخرجها أصحابها إلى الغزو .

الوجه السادس : ليس المراد بهذه الكلمات شيئاً واحداً ، فقوله والنازعات يعني ملك الموت ينزع النفوس غرقاً حتى بلغ بها الغاية ، { والناشطات نشطاً }[ النازعات : 2 ] يعني النفس تنشط من القدمين بمعنى تجذب ، { والسابحات سبحاً } يعني السفن ، { والسابقات سبقاً } يعني مسابقة نفوس المؤمنين إلى الخيرات والطاعات .

أما قوله : { فالمدبرات أمراً } ، فأجمعوا على أنهم الملائكة قال ابن عباس : هم الملائكة وكلوا بأمور عرفهم الله عز وجل : العمل بها وقال عبد الرّحمن بن سابط يدبر الأمر في الدنيا أربعة أملاك جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت ، واسمه عزرائيل ، فأما جبريل فموكل بالرّياح والجنود ، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنّبات ، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس ، وأما إسرافيل فهو ينزل عليهم بالأمر من الله تعالى أقسم الله بهذه الأشياء لشرفها ، ولله أن يقسم بما يشاء من خلقه ، أو يكون التقدير ، ورب هذه الأشياء ، وجواب القسم محذوف تقديره لتبعثن ، ولتحاسبن ، وقيل جوابه{ إن في ذلك لعبرة لمن يخشى }[ النازعات : 26 ] وقيل هو قوله : { قلوب يومئذ واجفة . . . } .