مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَوۡمَ تَرۡجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ} (6)

قوله تعالى : { يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة } فيه مسائل :

المسألة الأولى : جواب القسم المتقدم محذوف أو مذكور فيه وجهان ( الأول ) : أنه محذوف ، ثم على هذا الوجه في الآية احتمالات :

الأول : قال الفراء التقدير : لتبعثن ، والدليل عليه ما حكى الله تعالى عنهم ، أنهم قالوا : { أئذا كنا عظاما نخرة } أي أنبعث إذا صرنا عظاما نخرة ( الثاني ) : قال الأخفش والزجاج : لننفخن في الصور نفختين ودل على هذا المحذوف ذكر الراجفة والرادفة وهما النفختان ( الثالث ) : قال الكسائي : الجواب المضمر هو أن القيامة واقعة وذلك لأنه سبحانه وتعالى قال : { والذريات ذروا } ثم قال : { إنما توعدون لصادق } وقال : { والمرسلات عرفا إنما توعدون لواقع } فكذلك ههنا فإن القرآن كالسورة الواحدة

( القول الثاني ) : أن الجواب مذكور وعلى هذا القول احتمالات

( الأول ) المقسم عليه هو قوله : { قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة } والتقدير والنازعات غرقا أن يوم ترجف الراجفة تحصل قلوب واجفة وأبصارها خاشعة

( الثاني ) : جواب القسم هو قوله : { هل أتاك حديث موسى } فإن هل ههنا بمعنى قد ، كما في قوله : { هل أتاك حديث الغاشية } أي قد أتاك حديث الغاشية

( الثالث ) : جواب القسم هو قوله : { إن في ذلك لعبرة لمن يخشى } .

المسألة الثانية : ذكروا في ناصب يوم بوجهين ( أحدهما ) : أنه منصوب بالجواب المضمر والتقدير لتبعثن يوم ترجف الراجفة ، فإن قيل كيف يصح هذا مع أنهم لا يبعثون عند النفخة الأولى والراجفة هي النفخة الأولى ؟ قلنا المعنى لتبعثن في الوقت الواسع الذي يحصل فيه النفختان ، ولا شك أنهم يبعثون في بعض ذلك الوقت الواسع وهو وقت النفخة الأخرى .

ويدل على ما قلناه أن قوله : { تتبعها الرادفة } جعل حالا عن الراجفة . ( والثاني ) : أن ينصب ( يوم ترجف ) بما دل عليه : { قلوب يومئذ واجفة } أي يوم ترجف وجفت القلوب .

المسألة الثالثة : الرجفة في اللغة تحتمل وجهين ( أحدهما ) الحركة لقوله : { يوم ترجف الأرض والجبال } ( الثاني ) : الهدة المنكرة والصوت الهائل من قولهم : رجف الرعد يرجف رجفا ورجيفا ، وذلك تردد أصواته المنكرة وهدهدته في السحاب ، ومنه قوله تعالى : { فأخذتهم الرجفة } فعلى هذا الوجه الراجفة صيحة عظيمة فيها هول وشدة كالرعد .

/خ9