وأمام هذا المشهد . مشهد الذل والمهانة والعذاب الرعيب . وعاقبة الجدال في آيات الله ، والكبر النافخ في الصدور . . أمام هذا المشهد وهذه العاقبة يتجه السياق إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يوصيه بالصبر على ما يجده من كبر ومن جدال ، والثقة بوعد الله الحق على كل حال . سواء أراه الله بعض الذي يعدهم في حياته ، أو قبضه إليه وتولى الأمر عنه . فالقضية كلها راجعة إلى الله ، وليس على الرسول إلا البلاغ ، وهم إليه راجعون :
( فاصبر إن وعد الله حق . فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون ) . .
وهنا نقف أمام لفتة تستحق التدبر العميق . إن هذا الرسول الذي يلاقي ما يلاقي من الأذى والتكذيب والكبر والكنود ، يقال له ما مفهومه : أد واجبك وقف عنده . فأما النتائج فليست من أمرك . حتى شفاء صدره بأن يشهد تحقق بعض وعيد الله للمتكبرين المكذبين ليس له أن يعلق به قلبه ! إنه يعمل وكفى . يؤدي واجبه ويمضي . فالأمر ليس أمره . والقضية ليست قضيته . إن الأمر كله لله . والله يفعل به ما يريد .
يا لله ! يا للمرتقى العالي . ويا للأدب الكامل . الذي يأخذ الله به أصحاب هذه الدعوة . في شخص رسوله الكريم .
وإنه لأمر شاق على النفس البشرية . أمر يحتاج إلى الصبر على أشواق القلب البشري العنيفة . ألعله من أجل هذا كان التوجيه إلى الصبر في هذا الموضع من السورة . فلم يكن هذا تكراراً للأمر الذي سبق فيها . إنما كان توجيهاً إلى صبر من لون جديد . ربما كان أشق من الصبر على الإيذاء والكبر والتكذيب ? !
إن احتجاز النفس البشرية عن الرغبة في أن ترى كيف يأخذ الله أعداءه وأعداء دعوته ، بينما يقع عليها العداء والخصومة من أولئك الأعداء ، أمر شديد على النفس صعيب . ولكنه الأدب الإلهي العالي ، والإعداد الإلهي لأصفيائه المختارين ، وتخليص النفس المختارة من كل شيء لها فيه أرب ، حتى ولو كان هذا الأرب هو الانتصار من أعداء هذا الدين !
ولمثل هذه اللفتة العميقة ينبغي أن تتوجه قلوب الدعاة إلى الله في كل حين . فهذا هو حزام النجاة في خضم الرغائب ، التي تبدو بريئة في أول الأمر ، ثم يخوض فيها الشيطان بعد ذلك ويعوم !
ولما كان هذا في الجزاء أعظم الشماتة بهم ، فكان فيهم أعظم التسلية لمن جادلوه وتكبروا عليه ، سبب عنه قوله : { فاصبر } أي ارتقاباً لهذه النصرة ، ثم علل بقوله مؤكداً لأجل تكذيبهم بالوعد : { إن وعد الله } أي الجامع لصفات الكمال { حق } أي في نصرتك في الدارين فلا بد من وقوعه ، وفيه أعظم تأسية لك ولذلك سبب عنه مع صرف القول إلى ما يأتي الاعتراض إشارة إلى أنه لا يسأل عما يفعل ، قوله تعالى : { فإما نرينك } وأكده ب " ما " والنون ومظهر العظمة لإنكارهم لنصرته عليهم ولبعثهم { بعض الذي نعدهم } أي بما لنا من العظمة مما يسرك فيهم من عذاب أو متاب قبل وفاتك ، فذاك إلينا وهو علينا هين .
ولما ذكر فعل الشرط وحذف جوابه للعلم به ، عطف عليه قوله : { أو نتوفينَّك } أي قبل أن ترى ذلك فيهم وأجاب هذا المعطوف بقوله : { فإلينا } أي بما لنا من العظمة { يرجعون * } أي معنى في الدنيا فتريهم بعد وفاتك من نصر أصحابك عليهم بما تسرك به في برزخك فإنه لا بقاء لجولة باطلهم ، وحساً في القيامة فنريك فيهم فوق ما تؤمل من النصرة المتضمنة لتصديقك وتكذيبهم ، وإكرامك وإهانتهم ، والآية من الاحتباك : ذكر الوفاة ثانياً دليلاً على حذفها أولاً ، والرؤية أولاً دليلاً على حذفها ثانياً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.