في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{رَّبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱتَّخِذۡهُ وَكِيلٗا} (9)

ولما ذكر التبتل وهو الانقطاع عما عدا الله ، ذكر بعده ما يفيد أنه ليس هناك إلا الله ، يتجه إليه من يريد الاتجاه :

( رب المشرق والمغرب ، لا إله إلا هو ، فاتخذه وكيلا ) . .

فهو رب كل متجه . . رب المشرق والمغرب . . وهو الواحد الأحد الذي لا إله إلا هو . فالانقطاع إليه هو الانقطاع للحقيقة الوحيدة في هذا الوجود ؛ والتوكل عليه هو التوكل على القوة الوحيدة في هذا الوجود . والاتكال على الله وحده هو الثمرة المباشرة للاعتقاد بوحدانيته ، وهيمنته على المشرق والمغرب ، أي على الكون كله . . والرسول الذي ينادى : قم . . لينهض بعبئه الثقيل ، في حاجة ابتداء للتبتل لله والاعتماد عليه دون سواه . فمن هنا يستمد القوة والزاد للعبء الثقيل في الطريق الطويل .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{رَّبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱتَّخِذۡهُ وَكِيلٗا} (9)

{ رب المشرق والمغرب } قرأ أهل الحجاز ، وأبو عمرو ، وحفص : { رب } برفع الباء على الابتداء ، وقرأ الآخرون بالجر على نعت الرب في قوله : { واذكر اسم ربك } . { لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً } قيماً بأمورك ففوضها إليه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{رَّبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱتَّخِذۡهُ وَكِيلٗا} (9)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم عظّم الرب نفسه، فقال: {رب المشرق} يعني حيث تطلع الشمس،

{و} رب {والمغرب} حيث تغرب الشمس.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

ومعنى الكلام: ربّ المشرق والمغرب وما بينهما من العالم.

"لا إلَهَ إلاّ هُوَ": لا ينبغي أن يُعبد إله سوى الله الذي هو ربّ المشرق والمغرب. "فاتّخِذْهُ وَكِيلاً" فيما يأمرك، وفوّض إليه أسبابك.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ثم خص المشرق والمغرب بالذكر، وإن كان هو مالكهما ومالك الخلائق أجمع، لأن ذكر المشرق يقضي ذكر السماوات والأرضين وفي ذكر السماوات والأرضين ذكر أعلى العلّيّين وأسفل السافلين... فكان في ذكر المشرق والمغرب دلالة وحدانيته تعالى وإظهار قوته وسلطانه والوقوف على عجائب حكمته ولطائف تدبيره.

وقوله تعالى: {لا إله إلا هو} أي لا معبود يستحق العبادة إلا هو، لأن الذي يحمل الإنسان على عبادة المعبود الخوف والرجاء. وإذا عرفهم بذكر المشرق والمغرب أن تدبير الخلائق كلها راجع إليه، وأنه هو القاهر عليهم والقادر عليهم، وبيده الخزائن والمنافع أجمع، علموا أنه هو الإله الحق والرب القاهر، وأن من سواه مربوب مقهور، لا يملك نفعا ولا ضرا، فكيف يستوجب العبادة والإلهية؟.

وقوله تعالى: {فاتخذه وكيلا}... أراد أن كل أمورك، كِلها إلى الله تعالى، حتى يكون هو الذي يدبر، ويحكم، ولا ترى لنفسك فيها تدبيرا.

والوكيل في الشاهد، هو الذي يدخل في أمر آخر على جهة التبرع لينصره فيه، ويعينه، فيكون قوله تعالى: {فاتخذه وكيلا} أي اطلب من عنده النصر والمعونة. والمرء في الشاهد إنما يفزع إلى الوكيل ليزيح عنه علله، ويقضي عنه حوائجه، ويقوم عنه في النوائب؛ والله أعلم.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{فاتّخِذْهُ وَكيلاً} فيه ثلاثة أوجه:

...

...

...

...

...

...

....

....

الثاني: كفيلاً.

الثالث: حافظاً.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

الوكيلُ مَنْ تُوكَلُ إليه الأمورُ؛ أي: تَوَكَّلْ عليه وكِلْ أمورَك إليه، وثِقْ به.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{فاتخذه وكيلا} المعنى أنه لما ثبت أنه لا إله إلا هو لزمك أن تتخذه وكيلا وأن تفوض كل أمورك إليه، وهاهنا مقام عظيم، فإنه لما كانت معرفة أنه لا إله إلا هو توجب تفويض كل الأمور إليه دل هذا على أن من لا يفوض كل الأمور إليه، فإنه غير عالم بحقيقة لا إله إلا هو.

وقال بعضهم: {وكيلا} أي كفيلا بما وعدك من النصر والإظهار.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فاتخذه} أي خذه بجميع جهدك وذلك بإفرادك إياه بكونه تعالى {وكيلاً} أي على كل من خالفك بأن تفوض جميع أمورك إليه فإنه يكفيكها كلها ويكلأها غاية الكلاءة فإنه المتفرد بالقدرة عليها، ولا شيء أصلاً في يد غيره، فلا تهتم بشيء أصلاً، وليس ذلك بأن يترك الإنسان كل عمل، فإن ذلك طمع فارغ بل بالإجمال في طلب كل ما ندب الإنسان إلى طلبه، ليكون متوكلاً في السبب لا من دون سبب، فإنه يكون حينئذ كمن يطلب الولد من غير زوجة، وهو مخالف لحكمة هذه الدار المبنية على الأسباب.

ولو لم يكن في إفراده بالوكالة إلا أنه يفارق الوكلاء بالعظمة والشرف والرفق من جميع الوجوه؛ فإن وكيلك من الناس- دونك، وأنت تتوقع أن يكلمك كثيراً في مصالحك، وربك أعظم العظماء، وهو يأمرك أن تكلمه كثيراً في مصالحك وتسأله طويلاً.

ووكيلك من الناس -إذا حصّل مالك سألك الأجرة وهو سبحانه يوفر مالك ويعطيك الأجر.

ووكيلك من الناس ينفق عليك من مالك وهو سبحانه يرزقك وينفق عليك من ماله.

ومن تمسك بهذه الآية عاش حراً كريماً، ومات خالصاً شريفاً، ولقي الله تعالى عبداً صافياً مختاراً تقياً، ومن شرط الموحد أن يتوجه إلى الواحد ويقبل على الواحد ويبذل له نفسه عبودية ويأتمنه على نفسه ويفوض إليه أموره ويترك التدبير ويثق به ويركن إليه ويتذلل لربوبيته، ويتواضع لعظمته ويتزين ببهائه ويتخذه عدة لكل نائبة دنيا وآخرة.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ولما ذكر التبتل وهو الانقطاع عما عدا الله، ذكر بعده ما يفيد أنه ليس هناك إلا الله، يتجه إليه من يريد الاتجاه: (رب المشرق والمغرب، لا إله إلا هو، فاتخذه وكيلا).. فهو رب كل متجه.. رب المشرق والمغرب.. وهو الواحد الأحد الذي لا إله إلا هو. فالانقطاع إليه هو الانقطاع للحقيقة الوحيدة في هذا الوجود؛ والتوكل عليه هو التوكل على القوة الوحيدة في هذا الوجود. والاتكال على الله وحده هو الثمرة المباشرة للاعتقاد بوحدانيته، وهيمنته على المشرق والمغرب، أي على الكون كله.. والرسول الذي ينادى: قم.. لينهض بعبئه الثقيل، في حاجة ابتداء للتبتل لله والاعتماد عليه دون سواه. فمن هنا يستمد القوة والزاد للعبء الثقيل في الطريق الطويل.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ثمّ ينتهي إلى الأمر الثّالث فيقول: (ربّ المشرق والمغرب لا إله إلاّ هو فاتّخذه وكيلا) وهنا تأتي مسألة إيداع الأمور إلى اللّه، وذلك بعد مرحلة ذكر اللّه والإخلاص، إيداع الأمور للربّ الذي بيده الحاكمية والرّبوبية على المشرق والمغرب والمعبود الوحيد المستحق للعبادة، وهذا التعبير في الحقيقة هو بمنزلة الدليل على موضوع التوكل على اللّه، فكيف لا يتوكل الإنسان عليه، ولا يودعه أعماله، وليس في العالم الواسع من حاكم وآمر ومنعم ومولى ومعبود غيره.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{رَّبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱتَّخِذۡهُ وَكِيلٗا} (9)

قوله تعالى : " رب المشرق والمغرب " قرأ أهل الحرمين وابن محيصن ومجاهد وأبو عمرو وابن أبي إسحاق وحفص " رب " بالرفع على الابتداء والخبر " لا إله إلا هو " . وقيل : على إضمار " هو " . الباقون " رب " بالخفض على نعت الرب تعالى في قوله تعالى : " واذكر اسم ربك " " رب المشرق " ومن علم أنه رب المشارق والمغارب انقطع بعمله وأمله إليه . " فاتخذه وكيلا " أي قائما بأمورك . وقيل : كفيلا بما وعدك .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{رَّبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱتَّخِذۡهُ وَكِيلٗا} (9)

ولما كان الواجب على كل أحد شكر المنعم ، بين أنه سبحانه الذي أنعم بسكن الليل الذي أمر بالتهجد فيه و-{[69460]} منتشر النهار الذي أمر بالسبح{[69461]} فيه ، فقال واصفاً الرب المأمور بذكره في قراءة ابن عامر ويعقوب والكوفيين غير حفص معظماً له بالقطع في قراءة الباقين بالرفع : { رب المشرق } أي موجد محل الأنوار التي بها ينمحي هذا الليل الذي أنت قائم فيه ويضيء بها الصباح وعند الصباح يحمد القوم السرى بما أنالهم{[69462]} من الأنوار في مرائي قلوبهم وما زينها به من شهب المعاني كما أوجد لهم في {[69463]}آفاق أفلاكهم{[69464]} من شموس المعاني المثمرة لبدور الأنس في مواطن القدس ، فلا يطلع كوكب في الموضع الذي هو ربه إلا بإذنه ، وهو رب كل مكان ، وما أحسن ما قال الإمام الرباني تقي الدين ابن دقيق العيد :

كم ليلة فيك وصلنا السرى *** لا نعرف الغمض ولا نستريح

واختلف الأصحاب ماذا الذي *** يزيح من شكواهم أو يريح

فقيل تعريسهم ساعة{[69465]} *** وقلت بل ذكراك وهو الصحيح

ولما ذكر مطالع الأنوار ، لأنها المقصود لما لها من جلي الإظهار ، ووحد لأنه أوفق لمقصود السورة الذي هو{[69466]} محطة لانجماح المدلول عليه بالتزمل ، أتبعه مقابله فقال : { والمغرب } أي الذي يكون عنه الليل والذي-{[69467]} هو محل السكن{[69468]} وموضع الخلوات ولذيذ{[69469]} المناجاة ، فلا تغرب شمس ولا قمر ولا نجم إلا بتقديره سبحانه ، وإذا كان رب ما فيه هذه الصنائع التي هي أبدع ما يكون كان رب ما دون ذلك .

ولما علم بهذا أنه المختص بتدبير الكائنات ، المتفرد بإيجاد الموجودات ، كان أهلاً لأن يفرد بالعبادة وجميع التوجه{[69470]} فقال مستأنفاً : { لا إله } أي معبود بحق { إلا هو } أي ربك الذي دلت تربيته لك على مجامع العظمة وأنهى صفات الكمال والتنزه عن كل شائبة نقص . ولما علم تفرده سبحانه كان الذي ينبغي لعباده أن لا يوجه أحد-{[69471]} منهم شيئاً من رغبته لغيره فلذلك سبب عنه قوله : { فاتخذه } أي خذه بجميع جهدك وذلك بإفرادك إياه بكونه تعالى { وكيلاً * } أي على كل من خالفك بأن تفوض جميع أمورك إليه فإنه يكفيكها كلها ويكلؤها غاية الكلاية فإنه المتفرد بالقدرة عليها ، ولا شيء أصلاً في يد غيره ، فلا تهتم بشيء أصلاً ، وليس ذلك بأن يترك الإنسان كل عمل ، فإن ذلك طمع فارغ بل بالإجمال في طلب كل ما ندب الإنسان إلى طلبه ، ليكون متوكلاً في السبب لا من دون{[69472]} سبب ، فإنه يكون حينئذ كمن يطلب{[69473]} الولد من غير زوجة ، وهو مخالف لحكمة هذه الدار المبنية على الأسباب ، ولو لم يكن في{[69474]} إفراده بالوكالة إلا أنه يفارق{[69475]} الوكلاء بالعظمة والشرف والرفق من جميع الوجوه فإن وكيلك من الناس-{[69476]} دونك وأنت تتوقع أن يكلمك كثيراً في مصالحك وربك أعظم العظماء وهو يأمرك أن تكلمه كثيراً في مصالحك وتسأله طويلاً ووكيلك من الناس - إذا حصّل مالك سألك الأجرة وهو سبحانه يوفر مالك ويعطيك الأجر ، ووكيلك من{[69477]} الناس ينفق عليك من مالك وهو سبحانه يرزقك وينفق عليك من ماله ، ومن تمسك بهذه الآية عاش حراً كريماً ، ومات خالصاً شريفاً ، ولقي الله تعالى عبداً صافياً مختاراً تقياً ، ومن شرط الموحد أن يتوجه إلى{[69478]} الواحد ويقبل على الواحد ويبذل له نفسه عبودية ويأتمنه على نفسه ويفوض إليه أموره ويترك التدبير ويثق به ويركن إليه ويتذلل لربوبيته ، ويتواضع لعظمته ويتزين ببهائه ويتخذه عدة لكل نائبة دنيا وآخرة .


[69460]:زيد من ظ و م.
[69461]:من م، وفي الأصل و ظ: بالتسبيح.
[69462]:من ظ و م، وفي الأصل: نالها.
[69463]:من ظ و م وفي الأصل: الآفاق أملاكهم.
[69464]:من ظ و م وفي الأصل: الآفاق أملاكهم.
[69465]:من ظ و م وفوات الوفيات1/488، وفي الأصل: ساعته.
[69466]:سقط من ظ و م، وفي الأصل: محل.
[69467]:زيد من ظ و م.
[69468]:من ظ و م، وفي الأصل: السكون.
[69469]:من ظ و م، وفي الأصل: محل.
[69470]:من ظ و م، وفي الأصل: التوحيد.
[69471]:زيد من ظ و م.
[69472]:من ظ و م، وفي الأصل: بدون.
[69473]:من ظ و م، وفي الأصل: طلب.
[69474]:زيد من ظ و م.
[69475]:من ظ و م، وفي الأصل: يعاق-كذا.
[69476]:زيد من ظ و م.
[69477]:من ظ و م، وفي الأصل: في.
[69478]:زيد في ظ: الله.