ثم ينتقل إلى الفلك التي تجري في البحار ، كأنها لضخامتها الجبال :
( وله الجواري المنشآت في البحر كالأعلام . . )
ويجعل هذه الجواري المنشآت( له )سبحانه وتعالى . فهي تجري بقدرته . ولا يحفظها في خضم البحر وثبج الموج إلا حفظه ولا يقرها على سطحه المتماوج إلا كلاءته . فهي له سبحانه . وقد كانت - وما تزال - من أضخم النعم التي من الله بها على العباد ، فيسرت لهم من أسباب الحياة والانتقال والرفاهية والكسب ما هو جدير بأن يذكر ولا ينكر .
قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان وله الجوار } السفن الكبار ، { المنشآت } وقرأ حمزة وأبو بكر : المنشئات بكسر الشين ، أي : المنشئات للسير يعني اللاتي ابتدأن وأنشأن السير . وقرأ الآخرون بفتح الشين ، أي المرفوعات ، وهي التي رفع خشبها بعضها على بعض . وقيل : هي ما رفع قلعه من السفن وأما ما لم يرفع قلعه فليس من المنشئات . وقيل : المخلوقات المسخرات ، { في البحر كالأعلام } كالجبال جمع علم وهو الجبل الطويل ، شبه السفن في البحر ، بالجبال في البر .
قوله تعالى : " وله الجوار " يعني السفن . " المنشآت في البحر " قراءة العامة " المنشآت " بفتح الشين ، قال قتادة : أي المخلوقات للجري مأخوذ من الإنشاء . وقال مجاهد : هي السفن التي رفع قلعها ، قال : وإذا لم يرفع قلعها فليست بمنشآت . وقال الأخفش : إنها المجريات . وفي الحديث : أن عليا رضي الله عنه رأى سفنا مقلعة ، فقال : ورب هذه الجواري المنشآت ما قتلت عثمان ولا مالأت في قتله . وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم باختلاف عنه " المنشئات " بكسر الشين أي المنشئات السير ، أضيف الفعل إليها على التجوز والاتساع . وقيل : الرافعات الشرع أي القلع . ومن فتح الشين قال : المرفوعات الشرع . " كالأعلام " أي كالجبال ، والعلم الجبل الطويل ، قال{[14538]} :
إذا قَطَعْنَ علَمًا بدا عَلَمْ
فالسفن في البحر كالجبال في البر ، وقد مضى في " الشورى " بيانه{[14539]} . وقرأ يعقوب " الجواري " بياء في الوقف ، وحذف الباقون .
ولما كان قد ذكر الخارج منه بماء السماء ، ذكر السائر عليه{[61888]} بالهواء ، وأشار بتقديم الجار إلى أن السائر في الفلك لا تصريف له ، وإن ظهر له تصريف فهو لضعفه كلا تصريف ، فقال : { وله } أي لا لغيره ، فلا تغتروا بالأسباب الظاهرة فتقفوا معها فتسندوا شيئاً من ذلك إليها كما وقف أهل الاغترار بالشاهد ، الذين هم أجمد أهل الأرض أذهاناً وأحقرهم شأناً فقالوا بالاتحاد والوحدة { الجوار } أي السفن الكبار والصغار الفارغة والمشحونة . ولما كانت حياة كل شيء كونه على صفة كماله ، وكانت السفن تبنى من خشب مجمع وتوصل حتى تصير على هيئة تقبل المنافع الجمة ، وكانت تربى بذلك الجمع كما تربى النبات والحيوان ، وكانت ترتفع على البحر ويرفع شراعها وتحدث في البحر بعد أن كانت مستترة بجبال الأمواج{[61889]} قال تعالى : { المنشآت } من نشأ - إذا حي وربا ، والسحابة : ارتفعت ، وأصل الناشئ كل ما حدث بالليل وبدأ ، ومعنى قراءة حمزة{[61890]} وأبي بكر بكسر الشين أنها رافعة شراعها بسبب استمساكها عن الرسوب ومنشئة للسير ، ومعنى قراءة الباقين أنه أنشأها الصانع وأرسلها ورفع شراعها .
ولما كانت مع كونها عالية على الماء منغمسة فيه مع أنه ليس لها من نفسها إلا الرسوب والغوص قال : { في البحر } ولما كانت ترى على البعد كالجبال على وجه الماء قال : { كالأعلام * } أي كالجبال الطوال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.