فأما أنتم فامضوا في الطريق التى تريدون ؛ واعبدوا ما شئتم من دونه . ولكن هنالك الخسران الذي ما بعده خسران . خسران النفس التي تنتهي إلى جهنم . وخسران الأهل سواء كانوا مؤمنين أم كافرين . فإن كانوا مؤمنين فقد خسرهم المشركون لأن هؤلاء إلى طريق وهؤلاء إلى طريق . وإن كانوا مشركين مثلهم فكلهم خسر نفسه بالجحيم . . ( ألا ذلك هو الخسران المبين ) . .
قوله تعالى : { قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه } أمر توبيخ وتهديد . كقوله : { اعملوا ما شئتم } ( فصلت-40 ) { قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم } أزواجهم وخدمهم { يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين } قال ابن عباس : وذلك أن الله جعل لكل إنسان منزلاً في الجنة وأهلاً ، فمن عمل بطاعة الله كان ذلك المنزل والأهل له ، ومن عمل بمعصية الله دخل النار ، وكان ذلك المنزل والأهل لغيره ممن عمل بطاعة الله . وقيل : خسران النفس بدخول النار ، وخسران الأهل بأن يفرق بينه وبين أهله ، وذلك هو الخسران المبين .
ولما علم من هذا غاية الامتثال بغاية الرغبة والرهبة وهم يعلمون أنه صلى الله عليه وسلم أقواهم قلباً وأصفاهم لباً ، وأجرأهم نفساً وأصدقهم وأشجعهم عشيرة وحزباً ، كان خوف غيره من باب الأولى ، فسبب عنه تهديدهم أعظم تهديد بقوله : { فاعبدوا } أي أنتم أيها الداعون له في وقت الضراء المعرضون عنه في وقت الرخاء { ما شئتم } أي من جماد أو غيره . ونبّه على سفول رتبة كل شيء بالنسبة إليه سبحانه تسفيهاً لمن يلتفت إلى سواه بقوله : { من دونه } فإن عبادة ما دونه تؤدي إلى قطع إحسانه ، ولا إحسان إلا إحسانه ، فإذا انقطع حصل كل سوء ، وفي ذلك جميع الخسارة .
ولما كانوا يدعون الذكاء ، ويفعلون ما لا يفعله عاقل ، أمره أن يقول لهم ما ينبههم على غباوتهم بما يصيرون إليه من شقاوتهم فقال : { قل إن الخاسرين } أي الذين خسارتهم هي الخسارة لكونها النهاية في العطب { الذين خسروا أنفسهم } أي بدخولهم النار التي هي معدن الهلاك لعبادتهم غير الله من كل ما يوجب الطغيان . ولما كان أعز ما على الإنسان بعد نفسه أهله الذين عزه بهم قال : { وأهليهم } أي لأنهم إن كانوا مثلهم فحالهم في الخسارة كحالهم ، ولا يمكن أحداً منهم أن يواسي صاحبه بوجه فإنه لكل منهم شأن يغنيه ، وإن كانوا ناجين فلا اجتماع بينهم .
ولما كانت العاقبة هي المقصودة بالذات ، قال : { يوم القيامة } لأن ذلك اليوم هو الفيصل لا يمكن لما فات فيه تدارك أصلاً ولما كان في ذلك غاية الهول . كرر التعريف بغباوتهم تنبيهاً على رسخوهم في ذلك الوصف على طريق النتيجة لما أفهمه ما قبله ، فقال منادياً لأنه أهول مبالغاً بالاستئناف وحرف التنبيه وضمير الفصل وتعريف الخبر ووصفه : { ألا ذلك } أي الأمر العظيم البعيد الرتبة في الخسارة جداً { هو } أي وحده { الخسران } أتى بصيغة الفعلان المفهم مطلقها للمبالغة فكيف إذا بنيت على الضم الذي هو أثقل الحركات ، وزاد في تقريعهم بالغباوة بقوله : { المبين * } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.