السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَٱعۡبُدُواْ مَا شِئۡتُم مِّن دُونِهِۦۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِيهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ} (15)

{ فاعبدوا } أي : أنتم أيها الداعون في وقت الضراء المعرضون في وقت الرخاء { ما شئتم من دونه } أي : غيره في هذا تهديد وزجر لهم وإيذان بأنهم لا يعبدون الله تعالى ، ثم بين تعالى كمال الزجر بقوله سبحانه { قل إن الخاسرين } أي : الكاملين في الخسران { الذين خسروا أنفسهم } أي : أوقعوها في هلاك لا يعقل هلاك أعظم منه { و } خسروا { أهليهم يوم القيامة } أيضاً لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا ذهاباً لا رجوع بعده البتة . وقوله تعالى { ألا ذلك } أي : الأمر العظيم البعيد الرتبة في الخسارة { هو الخسران المبين } أي : البين يدل على غاية المبالغة من وجوه ؛ أحدها : أنه وصفهم بالخسران ثم أعاد ذلك بقوله تعالى : { ألا ذلك هو الخسران المبين } وهذا التكرير لأجل التأكيد ، وثانيها : ذكر حرف ألا وهو للتنبيه ، وذكر التنبيه يدل على التعظيم ، كأنه قال : بلغ في العظم إلى حيث لا تصل عقولكم إليه فتنبهوا له ، وثالثها : قوله تعالى { هو الخسران } ولفظة هو تفيد الحصر كأنه قيل : كل خسران يصير في مقابلته كل خسران ، ورابعها : وصفه تعالى بكونه خسراناً مبيناً يدل على التهويل .