فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَٱعۡبُدُواْ مَا شِئۡتُم مِّن دُونِهِۦۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِيهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ} (15)

{ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ } أن تعبدوه { مِنْ دُونِهِ } هذا الأمر للتهديد والتقريع والتوبيخ ، كقوله { اعملوا ما شئتم } وفيه إيذان بأنهم لا يعبدون الله تعالى ، وقيل إن الأمر على حقيقته ، وهو منسوخ بآية السيف ، والأول أولى .

{ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ } الكاملين في الخسران هم { الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } بتخليد الأنفس في النار وبعدم وصولهم إلى الحور المعدة لهم في الجنة لو آمنوا لأن من دخل النار فقد خسر نفسه وأهله ، وأهلي جمع أهل وأصله أهلون أو أهلين والمراد بأهليهم أهل الآخرة ، وقيل أزواجهم وخدمهم وقيل أهلهم في الدنيا لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم ، كما خسروا أنفسهم ، وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا رجوع بعده .

قال الزجاج وهذا يعني به الكفار ، فإنهم خسروا أنفسهم بالتخليد في النار ، وخسروا أهليهم لأنهم لم يدخلوا مدخل المؤمنين الذين لهم أهل في الجنة ، قال ابن عباس في الآية هم الكفار الذين خلقهم للنار ، زالت عنهم الدنيا وحرمت عليهم الجنة ، وعنه قال أهليهم من أهل الجنة ، كانوا أعدوا لهم لو أطاعوا الله فغيبوهم .

{ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } مستأنفة لتأكيد ما قبلها وتصديرها بحرف التنبيه للإشعار بأن هذا الخسران الذي حل بهم قد بلغ من العظم إلى غاية ليس فوقها غاية ، وكذلك تعريف الخسران ووصفه بكونه مبنيا ، فإنه يدل على أنه الفرد الكامل من أفراد الخسران وأنه لا خسران يساويه ولا عقوبة تدانيه