تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَٱعۡبُدُواْ مَا شِئۡتُم مِّن دُونِهِۦۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِيهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ} (15)

قوله تعالى : { فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ } إنه يخرج هذا الحرف منه مخرج التهديد لهم والتوعد ، يقول : أما أنا فإنما أعبد الله الحق ، وله أخلص ديني ، فاعبدوا أنتم ما شئتم ، فإنه يجزيكم جزاء عبادتكم كقوله عز وجل : { فاعبدوا ما شئتم } الآية [ فصلت : 40 ] وذلك معروف في كلام الناس : يقول الرجل : اعمل ما شئت فإن لك الجزاء بما تعمل على الوعيد . فعلى ذلك قوله عز وجل : { فاعبدوا ما شئتم من دونه } والله أعلم .

ويحتمل وجها آخر ، لا على الوعيد ، ولكن يقول : قد بينت لكم ، وأوضحت السبيلين جميعا بالآيات والحجج : سبيل النجاة الذي إذا سلكتموه نجوتم ، وهو سبيل الله ، وسبيل الهلاك الذي إذا سلكتموه أهلككم ، وهو سبيل الشيطان ، فإن أردتم النجاة فاسلكوا سبيل كذا ، وإن أردتم سبيل الهلاك فاسلكوا كذا ، والله أعلم .

ثم قوله : { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } كناية لما أمرهم أن يقوا أنفسهم وأهليهم النار حين قال عز وجل : { يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا } [ التحريم : 6 ] لتكون لهم أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، ويسلم إليهم ذلك ، وقد مكن لهم ذلك . وهلكوا ، وتركوا ذلك ، ولم يقوا أنفسهم ولا أهليهم النار . قال عند ذلك : { خسروا أنفسهم أهليهم } .

ويحتمل أنهم قد أمروا بالسعي للآخرة والعمل لها ، ووعدوا إذا سعوا لها ، وعملوا ، النجاة في الآخرة والحياة الدائمة والأهل في الجنة . وإذا لم يسعوا لها ، ولم يعملوا خسروا أنفسهم والأهل الذين وعدوا فيها إذا سعوا . وهلكت أنفسهم .

قوله تعالى : { أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } ألا هنالك بين لهم أنهم خسروا خسرانا مبينا ، والله أعلم .