اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱعۡبُدُواْ مَا شِئۡتُم مِّن دُونِهِۦۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِيهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ} (15)

{ فاعبدوا مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ }وهذا أمر توبيخ وتهديد . والمراد منه الزجر كقوله : { اعملوا مَا شِئْتُمْ } [ فصلت : 40 ] . ثم بين كمال الزجر بقوله : { قُلْ إِنَّ الخاسرين الذين خسروا أَنفُسَهُمْ } أوقعوها في هلاك لا يعقل هلاك أعظم منه وخسروا أهاليهم أيضاً لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهاباً لا رجوع بعده البتة . وقيل خُسْرَان النفس بدخول النار وخُسْرَان الأهل أن يفرق بينه وبين أهله .

ولما شرح الله تعالى خسرانهم وصف ذلك الخُسْرَانَ ( المبينَ بالفظاعة فقال : أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ ) المُبِينُ « ، وهذا يدل على غاية المبالغة من وجه :

أحدها : أنه وصفهم بالخُسْرَانِ ، ثم أعاد ذلك بقوله : «ألا ذلك هو الخسران المبين » وهذا التكرير لأجل التأكيد .

وثانيها : ذكره حرف «أَلاَ » وهو للتَّنْبِيهِ ، وذكر التنبيه يدل على التعظيم كأنه قيل : بلغ في العِظَم إلى حيث لا تصل عقولكم إليه فتنبهوا لَهُ .

وثالثها : قوله : { هُوَ الخسران } ولفظ «هو » يفيد الحصر كأنه قيل : كل خسران يصير في مقابلته كلا خسران .

ورابعها : وصفه بكونه خسراناً مبيناً وذلك يدل على التهْويل .