في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (68)

55

( لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) . .

ولقد سبق قضاء الله بأن يغفر لأهل بدر ما يفعلون ؛ فوقاهم سبق قضائه فيهم ما كان يستحقه أخذهم الفداء من العذاب العظيم !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (68)

{ ولولا كتاب من الله سبق } لولا حكم من الله سبق إثباته في اللوح المحفوظ ، وهو أن لا يعاقب المخطئ في اجتهاده أو أن لا يعذب أهل بدر أو قوما بما لم يصرح لهم بالنهي عنه ، أو أن الفدية التي أخذوها ستحل لهم . { لمسّكم } لنالكم . { فيما أخذتم } من الفداء . { عذاب عظيم } روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : " لو نزل العذاب لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ " . وذلك لأنه أيضا أشار بالإثخان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (68)

وقوله تعالى : { لولا كتاب من الله سبق } الآية ، قالت فرقة : الكتاب السابق هو القرآن ، والمعنى لولا الكتاب الذي سبق فآمنتم به وصدقتم لمسكم العذاب لأخذكم هذه المفاداة ، وقال سعيد بن جبير ومجاهد والحسن أيضاً وابن زيد : الكتاب السابق هو مغفرة الله لأهل بدر ما تقدم من ذنوبهم أو تأخر ، وقال الحسن وابن عباس وأبو هريرة وغيرهم : الكتاب هو ما كان الله قضاه في الأزل من إحلال الغنائم والفداء لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته وكانت في سائر الأمم محرمة ، وقالت فرقة : الكتاب السابق هو عفو الله عنهم في هذا الذنب معيناً ، وقالت فرقة : الكتاب هو أن الله عز وجل قضى أن لا يعاقب أحداً بذنب أتاه بجهالة ، وهذا قول ضعيف تعارضه مواضع من الشريعة ، وذكر الطبري عن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب أن الكتاب السابق هو أن لا يعذب أحداً بذنب إلا بعد النهي عنه ولم يكونوا نهو بعد ، وقالت فرقة : الكتاب السابق هو ما قضاه الله من محو الصغائر باجتناب الكبائر ، وذهب الطبري إلى دخول هذه المعاني كلها تحت اللفظ وأنه يعمها ، ونكب{[5481]} عن تخصيص معنى دون معنى ، واللام في { لمسكم } جواب { لولا } ، و { كتاب } رفع بالابتداء والخبر محذوف ، وهكذا حال الاسم الذي بعد لولا ، وتقديره عند سيبويه لولا كتاب سابق من الله تدارككم ، وما من قوله { فيما } يراد بها إما الأسرى وإما الفداء ، وهي موصولة ، وفي { أخذتم } ضمير عائد عليها ، ويحتمل أن تكون مصدرية فلا تحتاج إلى العائد ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو نزل في هذا الأمر عذاب لنجا منه عمر بن الخطاب{[5482]} ، وفي حديث آخر وسعد بن معاذ ، وذلك أن رأيهما كان أن يقتل الأسرى{[5483]} .


[5481]:- نكّب عن الشيء: عدل عنه وتنحّى.
[5482]:- أخرجه ابن مردويه، ولفظه فيه: (لو نزل العذاب ما أفلت إلا ابن الخطاب). ورواية ابن جرير: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو عذبنا في هذا الأمر يا عمر ما نجا غيرك).
[5483]:- يرى بعض المفسرين أن معنى هذه الآية هو: لولا كتاب من الله سبق بنصركم وتأييدكم حتى استوليتم عليهم قتلا وأسرا على قلة عددكم لمسّكم فيما أخذتم من غنائمهم وفدائهم عذاب عظيم منهم لكونهم أكثر منكم عددا، ولكنه تعالى سهّل عليكم ونصركم فلم ينلكم هذا العذاب منهم، وينظر أصحاب هذا الرأي إلى قوله تعالى: {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله} وقوله تعالى: {فإنهم يألمون كما تألمون}
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (68)

جملة : { لولا كتاب من الله سبق } إلخ مستأنفة استئنافاً بيانياً ، لأنّ الكلام السابق يؤذن بأنّ مفاداة الأسرى أمر مرهوب تخشى عواقبه ، فيستثير سؤالاً في نفوسهم عمّا يترقّب من ذلك ، فبيّنه قوله : { لولا كتاب من الله سبق } الآية .

والمراد بالكتاب المكتوب ، وهو من الكتابة التي هي التعيين والتقدير ، وقد نكر الكتاب تنكير نوعية وإبهام ، أي : لولا وجود سنّة تشريع سبق عن الله .

وذلك الكتاب هو عذر المستشار وعذر المجتهد في اجتهاده إذا أخطأ ، فقد استشارهم النبي صلى الله عليه وسلم فأشاروا بما فيه مصلحة رأوها وأخذ بما أشاروا به ولولا ذلك لكانت مخالفتهم لما يحبّه الله اجتراء على الله يوجب أن يمسّهم عذاب عظيم .

وهذه الآية تدل على أن لله حكماً في كل حادثة ، وأنه نَصَب على حكمه أمارة هي دليل المجتهد وأن مخطئه من المجتهدين لا يأثم بل يؤجر .

و« في » للتعليل ، والعذاب يجوز أن يكون عذاب الآخرة .

ويجوز أن يكون العذاب المنفي عذاباً في الدنيا ، أي : لولا قدر من الله سبق من لطفه بكم فصرف بلطفه وعنايته عن المؤمنين عذاباً كان من شأن أخذهم الفداء أن يسبّبه لهم ويوقعهم فيه . وهذا العذاب عذاب دنيوي ، لأنّ عذاب الآخرة لا يترتّب إلاّ على مخالفة شرع سابق ، ولم يسبق من الشرع ما يحرّم عليهم أخذ الفداء ، كيف وقد خيّروا فيه لمّا استشيروا ، وهو أيضاً عذاب من شأنه أن يجرّه عملهم جرّ الأسباب لمسبباتها ، وليس عذابَ غضب من الله ، لأنّ ذلك لا يترتّب إلاّ على معاص عظيمة ، فالمراد بالعذاب أنّ أولئك الأسرى الذين فادَوهم كانوا صناديد المشركين وقد تخلّصوا من القتل والأسر يحملون في صدورهم حنقاً فكان من معتاد أمثالهم في مثل ذلك أن يسعَوا في قومهم إلى أخذ ثار قتلاهم واسترداد أموالهم فلو فعلوا لكانت دائرة عظيمة على المسلمين ، ولكنّ الله سَلَّم المسلمين من ذلك فصرف المشركين عن محبّة أخذ الثأر ، وألهاهم بما شغلهم عن معاودة قتال المسلمين ، فذلك الصرف هو من الكتاب الذي سبق عند الله تعالى .

وقد حصل من هذه الآية تحذير المسلمين من العودة للفداء في مثل هذه الحالة ، وبذلك كانت تشريعاً للمستقبل كما ذكرناه آنفاً .